ولما كانت ولاية داود باشا فى سنة نيف وأربعين وتسعمائة جهز ناظر الأموال محمد جلبى إلى عقبة أيلة، فكشف عما يحتاج إليه ذلك النقب من الإصلاح الكلى، ومعه أكابر المعمارية، وصور صورة تلك الأرض ومسالكها فى أوراق عرضت على داود باشا، ثم جهزت إلى السلطان سليمان، وعرض عليه أمر العمارة فبرز الأمر السلطانى بعمل ذلك، وعين أمين صحبة القاضى أبى المنصور أحد أعيان الكتبة بالديوان السلطانى، واستمر العمل فى ذلك النقب إلى أن تكامل فى مدة تزيد على السنة، فصار مسلكا حسنا ومرتقى هينا.
(قلت): وقد تقدم الكلام على أيلة فى حرف الألف، وإنما فى كتاب «عجائب البلدان»، أن عقبة أيلة على جبل عال صعب المرتقى يكون ارتفاعه والانحدار منه يوما كاملا، وهى طرق لا يمكن أن يجوز فيها إلا رجل واحد، وعلى جانبها أودية بعيدة المهوى انتهى.
قال صاحب كتاب:«الحاج»: أقول: وصفتها أن الركب يبتدئ بالنزول فى أوعار وصعود وهبوط إلى أن ينزل إلى الدار الحمراء المسماة بلون تربتها ثم يصعد منها إلى حدرة طويلة وعرة وفيحاء حمراء ثم فيحاء بيضاء وشقيف جبل تحت واد عميق ومضيق، ثم صعود وحدرة تسمى الحلزون، إلى أن ينزل بآخرها إلى فيحاء حمراء متسعة يستريح فيها الركب يسيرا، ثم عقبة وحدرة وأودية كبار، ثم يصعدون بين جبال سود، ثم يهبطون إلى الفضاء والبحر، وتسمى هذه العقبة قنطرة البحر المالح، إلى أن يحط الركب فى الطلعة بين ساحل البحر والجبل من أيلة فى اليوم التاسع من يوم الرحيل من البركة، وهى مستهل ذى القعدة غالبا، وفى الرجعة يحط بساحل البحر، بعد أن يمر على جميع النخل ويجعله وراء.