وفى بعض السنين فى نيف وأربعين شرب بعض أهل الركب من الماء المذكور فحصل لهم خلل فى عقولهم على تفاوت فى ذلك، وأقاموا على ذلك نحو ثلاثة أيام، وعوفوا من ذلك، فيقال أن تلك الحفيرة المشروب منها كان بها نوع من النبات يسمى الداتورة خالط أجزاء الماء، فحصل منه ذلك؛ لأنى رأيته فى بعض السنين قد كثر نباته فى الأرض من الشرفة إلى البويب وإلى البركة المعروفة بالجب، وقد كثر فى تلك السنة فى بعض تلك الأراضى حتى صارت كالبساط الأخضر الربيعى.
وبالقرب من دوار حقل بمقدار ربع بريد بئر تسمى مبركا - بفتح الميم وسكون الباء الموحدة وراء مهملة مفتوحة بعدها كاف ساكنة - وبحقل أيضا واد إلى حسما، ومدة السير إلى ظهر الحمار مائة درجة، وهو فضاء فوق علوة ويصعد إليه من حدرة طويلة كثيرة المحجر، وبجانبها أخرى، وهما متعبان للجمال والرجال، والعادة أن الركب إن غدّى بظهر الحمار أقام مقدار ثلاثين درجة، ثم يسير إلى ما بين الجرفين فيعشى به، ومدة سيره خمس وخمسون درجة، ويقيم إلى بعد العشاء بخمسين درجة، ويسير إلى شرفة بنى عطية فيغدى بها رأس وادى عفان - بضم العين وتخفيف الفاء - ومدة سيره مائة وثلاثون درجة، هذا ما فيه راحة الجمال والجمّال، خصوصا ما تحويه هذه المراحل، وتشمل عليه من المشقات المشهورة، واستقبال الأيام المسماة بالتسعشرية إلى الينبع.
وأما فى سنة خمس وخمسين فأقام بظهر الحمار إلى بعد العصر من غير عادة خمسا وخمسين درجة، وسار قبل المغرب بعشرين درجة سيرة واحدة، فقطع عش الغراب؛ وهو جبل صغير يمر عليه فى وسط الطريق بين الجبال، وغدّى مع طلوع الشمس بآخر الحدرة؛ التى هى أول عفان، فكان المسير إليها فى مائتين وستين درجة، ومثل ذلك