الذى هو واقف به ونزل بها، وغطوا عليه بباب من الخشب، واستمر على هذه الحالة إلى ثالث جمادى الآخرة من السنة المذكورة، فقدر الله أن جاءت مراكب من جهة الصعيد مملوءة بلحا ألواحيا، وكان وقتئذ حسين باشا الوزير هو المتولى على مصر، فجاءه مكتوب من عند عبد الرحمن بيك - حاكم ولاية جرجا - يذكر فيه أن البلح الذى جاء فى المراكب نهبته المغاربة من الواحات وأرسلته إلى مصر تبيعه فيها، فعند ذلك أمر حسين باشا أن تجبر المراكب ويؤخذ جميع ما فيها. فجاءت الجماعة التى كانت فى المراكب على البلح لأجل بيعه إلى الشيخ محمد المذكور، وقالوا له إن الباشا قد جبر علينا بلحنا وأخذه منا، ونريد أن تشفع لنا عنده، ليعطينا بلحنا، فعند ذلك تقدم ثلاثة أنفار كانوا نقباء له فى حالة ظهوره، وكانوا يأخذون الدراهم ممن يأتى لزيارته على سبيل النذور، وهم الذين عضدوه وأشاعوا صيته فى مصر، وأظهروا عنه الكرامات، وكتبوا عرضحالا مضمونه أن أصحاب البلح من تلامذة الشيخ محمد العليمى وأن قصدهم إعادة البلح إليهم إكراما للشيخ، وأخذوا جماعة من أهل الرميلة، ومعهم طبول وأعلام، وتوجهوا إلى الديوان العالى، وقرأوا الفاتحة فى حوش الديوان، وضربوا الطبول، فعند ذلك نظر حسين باشا من الشباك إلى الجمعية التى بالحوش وقال:
ما هذه الجمعية؟ وما سببها؟ فجاءوا بالعرضحال الذى كتبوه، فنظره وتأمله، فاحتد حدة زائدة من ذلك، وقال: من هذا الشيخ الذى يشفع فى أموال الطائفة المفسدين الذين تحققنا أن البلح ليس لهم ويدلس علينا؟ فقال له جماعة من أهل الديوان: إنه قد ظهر الآن رجل بالرميلة، وأن هذه الجماعة التى جاءوا بالعرضحال هم الذين أوجبوا اجتماع العالم عليه لما ينقلونه عنه من الكذب من إظهار الكرامات والخوارق التى لا أصل لها.
فعند ذلك أمر حسين باشا برمى رقاب من يكون من جماعته، فضربت رقاب الأنفار الثلاثة المذكورين فى الحال. وأمر بإحضار الشيخ، فخرج زعيم مصر من الديوان، ونزل إلى الرميلة ليأتى بالشيخ إلى الديوان حسب ما أمره حسين باشا، فاجتمع عليه الناس المجتمعون على الشيخ وكادوا يقتلونه، فعاد وأخبر الباشا بما حصل له، فأمر الباشا بأن يتوجه بطائفة من الينكجرية وطائفة من العزب وطائفة من جماعة الباشا ويأتى به، وكل من تعرض لمنعه عن المجئ أمر بإتلافه، فتوجه زعيم مصر إلى الرميلة وصحبته الطوائف المذكورة. فلما رأى المجتمعون على الشيخ هذه الطوائف مع زعيم مصر علموا أن كل من تعرض لهم أتلفوه، فتنحوا عن الشيخ، فأخذوه وأوجعوه ضربا إلى أن وصل إلى الديوان، فلما دخل حوش الديوان ضربه أحد الناس بخنجر هدل كتفه، فوقع إلى الأرض، فقطع رأسه زعيم مصر، وجاءت الحانوتية فحملت جثث الثلاثة أنفار النقباء إلى مغسل السلطان بالرميلة، وأما الشيخ