ورحلنا من أمتان إلى محل ماء يعرف بمجاج قريب من الطريق، وتزودنا الماء منه لأربعة أيام إلى ماء بموضع يعرف بالعشراء على مسافة يوم من عيذاب، ومن هذه المرحلة نسلك الوضح، وهى رملة تتصل بساحل بحر جدة يمشى فيها إلى عيذاب، وهى فيحاء مد البصر يمينا وشمالا، فرحلنا من مجاج سالكين الوضح إلى أن سرنا بآخر الوضح نحو ثلاث مراحل من عيذاب، ومنها إلى العشراء، وهو مورد ماء ومنه إلى عيذاب مرحلتان، وبهذا الموضع كثير من شجر العشر، وهو شبيه بشجر الأترج لكن لا شوك له، وماء هذا الموضع ليس بخالص العذوبة، وهو فى بئر غير مطوية، وألفيت الرمل قد انهال عليها وغطى ماءها، ومنها إلى منزلة تعرف بماء الحبيب، وهو موضع بمرأى العين من عيذاب، وعلى ميلين منها، وماؤه فى بئر معينة وهو جب كبير تستقى منه القوافل وأهل البلد.
وكان نزولنا فى عيذاب بدار تعرف بمريح، دار أحد قوادها، فكانت إقامتنا بها ثلاثة وعشرين يوما فى سوء حال وعيش ردئ، واختلال من الصحة لقلة الغذاء والهواء الحار الذى يذيب الأجسام، وما ظنك ببلاد كل شئ فيها مجلوب حتى الماء، والحلول بها من أعظم المكاره التى حف بها السبيل إلى البيت العتيق، ويذكرون أن سليمان بن داود ﵇ كان اتخذها سجنا للفراعنة، وكان المسير من عيذاب فى البحر يوم الثلاثاء والريح مختلف، فدخلنا مرسى جدة يوم الثلاثاء القابل، فالمسافة ثمانية أيام. انتهى ما ذكره فى رحلته مع اختصار.