ومدينة ظفار فى صحراء منقطعة لا قرية فيها ولا عمارة لها، وهى قذرة منتنة كثيرة الذباب، لكثرة ما يباع بها من السمك والتمر، وعلف دوابهم وغنمهم من السمك، ولم أر ذلك فى سواها، ودراهمهم من النحاس والقزدير، وبها التنبول: والنرجيل، وهما لا يكونان إلا بالهند.
والتنبول شجر يعرش كما تعرش دوالى العنب، ويجعل له معرشات من القصب كالدوالى، ويغرس بقرب النرجيل فيعرش عليه، ولا ثمر للتنبول، وإنما المقصود منه ورقه، وهو يشبه ورق العليق، وأطيبه الأخضر، وتجتنى أوراقه فى كل يوم، وأهل الهند يعظمونه تعظيما شديدا، وإذا قدم أحدهم على الآخر فأعطاه خمس ورقات منه فكأنما أعطاه الدنيا خصوصا إن كان المعطى من الأمراء، وإعطاؤه عندهم أعظم من إعطاء الذهب والفضة.
وكيفية استعماله أن يؤخذ قبله الفوفل، وهو يشبه جوز الطيب، فيكسر قطعا صغارا، ويجعل فى الفم ويعلك، ثم يؤخذ ورق التنبول فيجعل عليه شئ من البورق ويمضغ مع الفوفل، وخاصيته أنه يطيب النكهة ويذهب روائح الفم، ويقطع ضرر شرب الماء على الريق، ويفرح آكله، ويعين على الجماع.
والنرجيل: هو جوز الهند، وشجره من أغرب الأشجار شأنا، وهو شبه النخل، لا فرق بينهما، وتثمر النخلة منه اثنى عشر عذقا فى السنة، يخرج فى كل شهر عذق، فترى على الشجرة بعضها صغيرا وبعضها كبيرا، وبعضها يابسا وبعضها أخضر، هكذا أبدا، وجوزه يشبه رأس ابن آدم؛ لأن فيه شبه العينين والفم، وداخلها شبه الدماغ إذا كانت خضراء، وعليها ليف شبه الشعر، وهم يصنعون منه حبالا يخيطون منها المراكب عوضا عن مسامير الحديد.