وفى بعض جزائر أهل الهند يتجرون فى غزل ليفه المسمى عندهم بالققبرى - بفتح القاف الأولى وسكون الثانية وفتح الموحدة والراء - فإنهم يدبغون الليف بالماء فى حفر على الساحل، ويضربونه بالمدارى حتى ينعم، ويغزلونه رفيعا، ويبرمون منه الحبال؛ فتخاط بها المراكب بالهند والصين واليمن، وهى خير من القنب، ويكون فى المراكب عوضا عن مسامير الحديد، ويصنعون منه الحبال الكبار للمراكب، والجوزة منه خصوصا بجزيرة زبية المهل قدر رأس الآدمى، وعادة أهل هذه الجزيرة أنهم لا يكتبون على الكاغد إلا المصاحف وكتب العلم، وأما الرسائل والأوامر والصكوك فيكتبونها على سعف نخل النرجيل بحديدة معوجة كالسكين، ويزعمون أن حكيما من حكماء الهند فى غابر الزمان كان متصلا بملك الهند ومعظما لديه، وكان بينه وبين الوزير معاداة، فقال للملك: إن رأس هذا الوزير إذا قطع ودفن يخرج منه نخلة تثمر بثمر عظيم يعود نفعه على أهل الهند ومن سواهم، فقال له الملك: وإن لم يظهر من رأسه ما ذكرت، فقال: اصنع برأسى مثل رأسه، فأمر الملك بقطع رأس الوزير، فأخذه الحكيم وغرس نواة تمر فى دماغة، وعالجها حتى صارت شجرة، وأثمرت بهذا الجوز. قال/ابن بطوطة: وهذه الحكاية من الأكاذيب، وإنما ذكرتها لشهرتها عندهم، ومن خواص هذا الجوز تغذية البدن، وإسراع السمن وتحمير الوجه، وأما الإعانة على الباه فأمره فيها عجيب، ومن عجائبه أنه يصنع منه الحليب والزيت والعسل.
فأما صناعة العسل فإنهم يقطعون العذق الذى يخرج منه الثمر، ويتركون منه قدر إصبعين يقطر فيه ما يسيل من ماء العذق، ويجمعونه مساء وصباحا كذلك، ثم يطبخونه كطبيخ عقيد العنب، فيصير عسلا مقويا شديد الحلاوة، ويصنعون منه الحلواء.