وبهذه المدينة قبر جالينوس الحكيم، كما فى كتاب:«سرح العيون شرح رسالة ابن زيدون» للفاضل جمال الدين محمد بن نباتة المصرى، قال فيه: وجالينوس هو آخر الحكماء المشهورين، ويسمى خاتم الأطباء والمعلمين، فإنه عند ظهوره وجد صناعة الطب قد كثرت فيها أقوال الأطباء السوفسطائيين، ومحيت محاسنها، فانتدب لذلك وأبطل آراءهم، وشيد آراء أبقراط والتابعين له ونصرها، وساح وطلب الحشائش، وجرب وقاس أمزجتها وطبائعها، وشرح الأعضاء، ووضع الكتب النفيسة فى هذه الصناعة، وهى مادة الأطباء إلى يومنا هذا، وأشهرها الكتب الستة التى شرحها الإسكندرانيون، ولم يأت بعده إلا من هو دون منزلته.
وكانت وفاته بعد مبعث المسيح ﵇ ولم يره، حكى أنه لما بلغه دعوى المسيح صلوات الله عليه إحياء الموتى، وخلق الطير، وإبراء الأكمه والأبرص، قال لمن حوله من التلاميذة: إن علم من هذا المدعى بما لا تستقل به الطبيعة، سفه قبل ما ادعاه لا يخاطب، ويحمل فيما ادعاه على ما تقدم العلم منه من السفه، وإن لم يعلم منه سفه تقدم دعواه يطالب بالبيان لإمكانه مما وراء عالم الطبيعة، وذلك سبيل كل ناطق/يقوم فى ابتداء كل قرن يأتى من الزمان للاضطرار إليه عند ظهور الفساد فى الأرض، سبيله الدعوى بما لا تستقل به الطبيعة، لانقياد الناس إلى طاعته بعد القيام بصحة ما ادعاه، فمن سلك سبيله بعد ذلك تمت حركته، ثم تجهز للاجتماع به، وسار إليه فمات فى طريقه بمدينة الفرماء، وهى على شاطئ بحيرة تنيس، وبها قبره، ولما اشتد به المرض قيل له ألا تتداوى، قال: إذ نزل قدر الرب بطل حذر المربوب، ونعم الدواء الأجل ثم مات مبطونا، ومات أرسطاطاليس بالسل، ومات أفلاطون مبرسما، ومات أبقراط مفلوجا.