وكانت هذه المدينة فى الأعصر الخالية على غاية من العمارة والثروة، حتى إنها فى القرن الخامس عشر من الميلاد كانت أعظم مدينة بعد القاهرة، كما ذكر ذلك العالم النباتى بلون الفرانساوى، الذى ساح فى الديار المصرية بعد تغلب الدولة العلية عليها بخمس عشرة سنة، ومما أخبر عنه أنه كان بمدينة فوة عدة قناصل للدول الأفرنجية، كما كان ذلك فى الإسكندرية ونحوها من مدن مصر الشهيرة القريبة من البحر، وكانوا كالرهائن عن الدول الخارجية، قال خليل الظاهرى فى الكلام على الإسكندرية: وبه - أى ثغر الإسكندرية - قناصل هم كبار الإفرنج من كل طائفة رهينة، كلما حدث من طائفة أحدهم ما يشين فى الإسلام يطلب منه. انتهى.
وقد تكلم العالم دساسى فى الجزء الثانى من كتابه:«الأنيس المفيد» عن العالم مران على تاريخ دخول القناصل الديار المصرية وغيرها من بلاد المشرق، وعلى كيفية دخولهم، فقال: كان ببلاد الشام فى سنة سبع عشرة ومائة وألف ميلادية قنصل من بلاد ونديق، وأنه حصلت معاهدة بين البندقانيين والملك العادل سلطان مصر سنة ست وثلاثين وستمائة هجرية موافقة/لسنة ثمان وثلاثين ومائتين وألف ميلادية، وقال إن القناصل ترتبت بمصر قبل سنة ستمائة وثمانين هجرية، وفى تلك السنة جرت معاهدة بين الملك المنصور أبى الفتح قلاوون وبين الملك الفونس ملك بلاد أرجون وجزيرة صقلية، وتكلم على جملة معاهدات جرت فى هذا التاريخ، وعلى أمور تتعلق بالتجارة لرعايا الطرفين، وعلى حوادث البحر، وعلى ما كان يلزم من المساعدات للمراكب الغرقى، وعلى لصوص البحر والأسارى من الجهتين، وعلى الدعاوى التى كانت بين التجار وعلى الهاربين والحجاج وعوائد الديوان من الجمرك ونحوه، وعوائد أخرى، ثم تكلم أيضا على شروط عقدت بين الجنويين وسلطان مصر، سنوردها لك.