الدردير، واختلط مع المنشدين، وكان صوته حسنا، وكان يذهب معهم إلى بيوت الأعيان فى الليالى، وينشد معهم، ويقرأ الأعشار، فيعجبون منه، ويكرمونه زيادة على غيره، ثم اجتمع على بعض الأمراء المعروفين بالبرقوقية من ذرية السلطان برقوق، وكانوا نظارا على أوقاف السلطان المذكور، فراج أمره وكثرت معارفه بالأغوات الطواشية، فتوصل بهم إلى نساء الأمراء، وصار له زيادة قبول عندهم وعند أزواجهم، وصار يتوكل لهم فى القضايا والدعاوى، وتجمل بالملابس وركب البغال، وتزوج بامرأة بناحية قنطرة الأمير حسين وسكن بدارها، وماتت وهى على ذمته فورثها.
ثم لما مات الشيخ محمد العقاد تعين المترجم لمشيخة رواق الفيمة، وبنى له محمد بيك المعروف بالمبدول دارا عظيمة بحارة عابدين، فاشتهر ذكره وعلا شأنه وطار صيته، وسافر فى بعض مقتضيات الأمراء إلى دار السلطنة، ثم عاد إلى مصر، فأقبلت عليه الهدايا من الأمراء والأعيان والأغوات والحريمات، واعتنوا بشأنه وزوّجته الست زليخا زوجة إبراهيم بيك الكبير بنت عبد الله الرومى، فتصرف فى أوقاف أبيها، وكان من ضمنها عزب البر تجاه رشيد، فاشتهر بالبلاد البحرية والقبلية، وكان كريم النفس جدا يجود بما عنده، مع حسن المعاشرة والبشاشة والتواضع والمواساة للكبير والصغير والجليل والحقير، وطعامه مبذول للواردين، ومن أتى إلى منزله لحاجة أو زائرا له لا يمكنه من الذهاب حتى يتغدى أو يتعشي، وإذا سأله أحد حاجة قضاها كائنة ما كانت، ومما اتفق مرارا أنه يركب من الصباح فى قضاء حوائج الناس، فلا يعود إلا بعد العشاء الأخيرة.
ثم لما حضر حسن باشا الجزائرلى إلى مصر، وارتحل الأمراء المصريون إلى الصعيد، وأحاط بدورهم، وطلب الأموال من نسائهم،