فمن سنة ٥٨ ثمان وخمسين إلى سنة ستين فى مدرسة الألسن بالأزبكية تحت رياسة المرحوم رفاعة بيك، وفى آخر تلك السنة ألحقت بمدرسة الطب البشرى، وكان مدير المدارس إذ ذاك المرحوم أدهم باشا، وناظر مدرس الطب البشرى المعلم بيرون الفرنساوى، ولم أزل بها مواظبا على دراستى إلى نحو سنة ٦٥ خمس وستين، وحصلت فى تلك المدة العلوم التى تعطى هناك من الفرقة الخامسة إلى الأولى، وكان والدى إذ ذاك مصححا لكتب الطب بتلك المدرسة.
ومن أساتذتى فى فن العربية العلامة الشيخ أحمد عبد الرحيم أبو السعود الطهطاوى وغيره، وكنت مع ذلك أحضر درسا بالأزهر بعد المغرب فى فقه الشافعى على الشيخ على المخللاتى، وحين ما تولى المرحوم إبراهيم باشا فى أواخر سنة ٦٤ أربع وستين، انتخبت بواسطة المرحوم أدهم باشا، وكلوت بيك رئيس الطب بالديار المصرية إذ ذاك للتوجه إلى فرنسا لأجل اكتساب العلوم الطبية بها، كى أكون فيما بعد طبقا للأمر إذ ذاك خوجة من خوجات دار الفنون، التى كان عازفا على إنشائها وبنائها بحوش الشرقاوى، وتدريس جميع الفنون العالية فيها، إلا أن هذا الأمر لم يتم لانتقاله إلى دار البقاء.
وفى أوائل سنة ٦٥ خمس وستين لما تولى المرحوم عباس باشا، وأمر بإلغاء جميع المدارس، وانتخاب مدرسة واحدة سماها بالأورطة المفروزة وجعلها ابتداء بالخانقاة وهى عسكرية، جعلت تلميذا عسكريا لتحصيل الفنون العسكرية بها، فتراءى لى أن جميع ما حصلته من الفنون الطبية بغاية الاجتهاد وسهر الليالى كاد يكون هباء منثورا، فصرت من أجل ذلك متلهف الفؤاد، باكى الطرف ليلا ونهارا،