للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الصدفى، فأمر ابن جحدم باحضار المحاريث من الكور لحفر الخندق على الفسطاط، فلم تبق قرية من قرى مصر إلا حضر من أهلها النفر.

وكان ابتداء حفره غرة المحرم سنة خمس وستين فما كان شئ أسرع من فراغهم منه، ثم أن ابن جحدم بعث بمراكب فى البحر ليخالف إلى إيالات الشام، وقطع بعثا فى البر وجهز جيشا آخر إلى أيلة لمنع عبد العزيز من المسير منها، فغرقت المراكب ونجا بعضها وانهزمت الجيوش، ونزل مروان عين شمس فخرج إليه ابن جحدم فى أهل مصر فتحاربوا يوما واحدا بعين شمس، فقتل من الفريقين خلق كثير، ثم تحاجزوا ورجع أهل مصر إلى خندقهم فتحصنوا به وصحبتهم جيوش مروان على باب الخندق، فاصطف أهل مصر على الخندق فكانوا يخرجون إلى أصحاب مروان فيقاتلونهم نوبا نوبا، وأقاموا على ذلك عشرة أيام ومروان مقيم بعين شمس.

وكتب مروان إلى شيعته من أهل مصر كريب بن أبرهة بن الصباح الحميرى، وزياد بن حناطة التجيبى، وعابس بن سعيد المرادى يقول: إنكم ضمنتم لى ضمانكم فقوموا به، وقد طالت الأيام والممانعة. فقام كريب وزياد وعابس إلى ابن جحدم فقالوا له: أيها الأمير، إنه لا قوام لنا بما ترى، وقد رأينا أن نسعى فى الصلح بينك وبين مروان، وقد ملّ الناس الحرب وكرهوها وخفنا أن يسلمك الناس إلى مروان فيكون محكما فيك. فقال: ومن لى بذلك. فقال كريب: أنا لك به. فسعى كريب وصاحباه فى الصلح على أمان كتبه مروان لأهل مصر وغيرهم من شرب ماء النيل، وعلى أن يسلم لابن جحدم من بيت المال عشرة آلاف دينار وثلاثمائة ثوب بقطرية، ومائة ريطة، وعشرة أفراس وعشرين بغلا وخمسين بعيرا. فتم الصلح على ذلك.

ودخل مروان الفسطاط مستهل جمادى الأولى سنة خمس وستين، فنزل دار الفلفل ودفع إلى ابن جحدم جميع ما صالحه عليه. وسار ابن جحدم إلى الحجاز ولم يلق كل منهما الآخر، فكانت ولاية ابن جحدم على مصر تسعة