ونقل النوارى عن ابن إياس: أن طائفة يعرفون بالقرامطة أخذوا فى الظهور فى أرض الكوفة. وأولهم: رجل يقال له حمدان بن الأشعث القرماط، وكان فى مبدأ أمره يظهر الورع والتخلى عن خلاف الأولى، ولا يقتات إلا من عمله فأقام على ذلك زمنا وكان يجتهد فى إرشاد من يجتمع به ويجلس معه ويحثه على الصلاح والتقوى، ويلقنه أن الصلوات المفروضة خمسون صلاة فى اليوم والليلة وتبعه خلق كثيرون، ولما شاع ورعه بين الناس أعلن بأنه يجب على الناس الامتثال لإمام يكون من بيت الرسول.
وكان أولا يسكن فى بيت بستانى بقال، فاتفق أن رجلا طلب من البستانى حارسا لثمره فأتاه بحمدان المذكور ووفقه معه وعين له الأجرة. فكان فى مدة حراسته يستغرق أوقاته فى الصلاة والصوم ويفطر على رطب من ذلك النخل. وكلما أكل رطبا حفظ نواه وسلمه للبستانى، وكان التجار يشترون البلح على أصوله قبل انتهاء طيبه، وهو يحرسه حتى ينتهى طيبه وبعد جذاذه فى مرابده حتى يستلموه تمرا. فإذا حضر تجار البلح وأقبضوه الأجرة يعمل حسابه مع البستانى فيحسب على البستانى قيمة النوى الذى سلمه له ويستنزله مما عليه للبستانى من قيمة الأكل ونحوه. واطلع التجار على عمله هذا فضربوه وقالوا له: تأكل رطبنا وتبيع نواه؟ فلما أعلمهم البستانى بصلاحه وكثرة عبادته ندموا على أذاه وطلبوا منه الصفح والمسامحة. وكان ذلك سبب زيادة شهرته واعتقاده بين الناس، وجعل ينصح هؤلاء التجار وغيرهم فاتبعوا مذهبه وشاع ذكره وكثرت أتباعه، وجعل على كل من يدخل فى زمرته دينارا ويقول: هذا للإمام. وجعل من أتباعه اثنى عشر نقيبا دعاة يهدون الخلق إلى طريقته. وقد أخذ فى الابتداع والخداع حتى مجته الطباع والأسماع.
وقد تكلم ابن الأثير على كيفية إمساكه والقبض عليه وتخلصه من السجن وكيف كان ذلك سببا فى زيادة شهرته.
ونقل دساسى عن النوارى: أن حمدان المذكور أوسع فى الزندقة؛ حتى كان يجمع النساء مع الرجال مختلطين فى ليلة معينة ويقول: إن هذا من تمام