كان السلطان الغورى مجتهدا كل الاجتهاد فى إدخاله مصر ليصير ضد الابن عثمان. وكان ابن عثمان يخاف أن يكون سلب ملكه على يديه لما رأى من ألف عسكر الروم له. ولما دخل مصر أكرمه السلطان الغورى وائتلف به ائتلافا زائدا، وجعل له بركا خاصا به وسنجا وصنجقا من حرير أحمر وأخضر كعادة ملوك الروم. وكان يستصحبه فى السفر وحضر معه وقعة مرج دابغ وعاد إلى مصر مع الأمراء.
وبعد السلطان الغورى عظمه السلطان طومان باى، وأعزه وأحضره معه جميع الوقعات. وبعد شنق طومان باى اختفى وتوجه إلى الجبل الأخضر الذى بأعلى البحيرة. فأقام مدة ثم حضر إلى مصر مختفيا فغمز عليه بعض غلمانه فصار القبض عليه عند العطوف بقرب البرقوقية وجردوه من ثيابه ونزعوا عمامته، وألبسوه برنسا أسود وغطوا وجهه كل ذلك خشية أن يعرفه العثمانية فيخلصوه ويقتلوا القابضين عليه، وتثور الفتنة لميلهم إليه. فطلعوا به القلعة قبيل المغرب وسجنوه بالعرقانة داخل الحوش السلطانى.
ثم انعقد مجلس اجتمع فيه ملك الأمراء قايتباى الدوادار، ومن الأمراء العثمانية فائق بيك، وسنان بيك، ومصطفى بيك، وخير الدين نائب القلعة.
وتشاوروا فى أمره وانحط رأيهم على قتله فخنقوه تحت الليل. وفى الصباح أخرجوه من السجن ميتا وأرقدوه على مصطبة بالحوش وكشفوا عن وجهه وأرسلوا للعثمانية قاطبة حتى رأوه. وشهد كثير منهم أنه هو قاسم بيك بعينه.
ثم أحضر ملك الأمراء القضاة وقامت عندهم البينة بصحة أنه هو وكتبوا بذلك محضرا أرسلوه إلى الأستانة. ثم جهزوه وأخرجوه قدام الدكة بالحوش السلطانى، وذلك يوم السبت ثامن عشر المحرم سنة أربع وعشرين، وأطلقوا النداء فى القاهرة بالصلاة على الشاب الشهيد، فصلّى عليه صلاة الغيبة فى كثير من الجوامع. وصلى عليه صلاة الحضور خلق كثيرون. ودفن فى ترب النجاشى مع أقاربه، وكان عمره سبع عشرة سنة. ثم إنهم ذهبوا ليلا إلى قبره