ثم إنى توجهت إلى زيارة القدس، ثم إلى صلاح الدين بظاهر عكة، فاجتمعت ببهاء الدين بن شداد قاضى العسكر يومئذ وكان قد اتصل به شهرتى بالموصل، فانبسط إلى وأقبل على. وقال: نجتمع بعماد الدين الكاتب. فقمنا إليه وخيمته إلي خيمة بهاء الدين، فوجدته يكتب كتابا إلى ديوان العزيز بقلم الثلث من غير مسودة، وقال: هذا كتاب الى بلدكم.
وذاكرانى فى مسائل من علم الكلام. وقال: قوموا بنا إلي القاضى الفاضل.
فدخلنا عليه، فرأيت شيخا ضئيلا كله رأس وقلب وهو يكتب ويملى على اثنين ووجهه وشفتاه تلعب ألوان الحركات بقوة حرصه فى إخراج الكلام وكأنه يكتب بجملة أعضائه. وسألنى القاضى الفاضل عن قوله ﷾:
«حَتّى إِذا جاؤُها وَ فُتِحَتْ أَبْوابُها وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها» أين جواب إذا؟ وأين جواب لو فى قوله تعالى:«وَ لَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ» وعن مسائل كثيرة. ومع هذا فلا يقطع الكتابة والإملأء. وقال لى: ترجع إلى دمشق وتجرى عليك الجرايات. فقلت: أريد مصر. فقال: السلطان مشغول القلب يأخذ الإفرنج عكة، وقتل المسلمين بها. فقلت: لابد لى من مصر. فكتب لى ورقة صغيرة إلى وكيله بها.
فلما دخلت القاهرة جاءنى وكيله وهو ابن سناء الملك. وكان شيخا جليل القدر، نافذ الأمر. فأنزلنى دار قد أريحت عللها وجاءنى بدنانير وغلة، ثم مضى إلى أرباب الدولة وقال: هذا ضيف القاضى الفاضل. فدرت الهدايا والصلات من كل جانب، وكان كل عشرة أيام أو نحوها تصل تذكرة القاضى الفاضل إلى ديوان مصر بمهمات الدولة، وفيها فصل يؤكد الوصية فى حقى.
وأقمت بمسجد الحاجب لؤلؤ ﵀، أقرئ الناس. وكان قصدى فى مصر ثلاثة أنفس: ياسين السيمياوى، والرئيس موسى بن ميمون اليهودى، وأبو القاسم الشارعى وكلهم جاورونى.