واجتمعت بالكندى البغدادى النحوى. وكان شيخا بهيا ذكيا مثريا. له جانب من السلطان، لكنه كان معجبا بنفسه، مؤذيا لجليسه. وجرت بيننا مباحثات، وأظهرنى الله تعالى عليه فى مسائل كثيرة ثم إنى أهملت جانبه، فكان يتأذى بإهمالى له أكثر مما يتأذى الناس منه.
وعملت بدمشق تصانيف جمة منها:«غريب الحديث الكبير»، جمعت فيه غريب أبى عبيد القاسم بن سلام، وغريب ابن قتيبة وغريب الخطابى، وكنت ابتدأت به فى الموصل. وعملت مختصرا وسميته «المجرد»، وعملت كتاب «الواضحة فى إعراب الفاتحة» نحو عشرين كراسة، وكتاب «الألف واللام»، وكتاب «ربّ»، وكتابا فى الذات والصفات الذاتية الجارية على ألسنة المتكلمين، وقصدت بهذه المسئلة الرد على الكندى.
ووجدت بدمشق الشيخ عبد الله بن تاتلى نازلا بالمئذنة الغربية، وقد عكف عليه جماعة وتحزب الناس فيه حزبين له وعليه فكان/الخطيب الدولعى عليه وكان من الأعيان، له منزلة وناموس. ثم خلط ابن تاتلى علي نفسه فأعان عدوه عليه، وصار يتكلم فى الكيمياء والفلسفة. وكثر التشنيع عليه.
واجتمعت به فصار يسألنى عن أعمال أعتقد أنها خسيسة نزرة، فيعظمها ويحتفل بها ويكتبها منى. وكاشفته فلم أجده كما كان فى نفسى، فساء ظنى به وبطريقه. ثم باحثته فى العلوم فوجدت عنده منها أطرافا نزرة. فقلت له يوما: لو صرفت زمانك الذى ضيعته فى طلب الصنعة إلى بعض العلوم الشرعية والعقلية كنت اليوم فريد عصرك، مخدوما طول عمرك. وهذا هو الكيمياء لا ما تطلبه. ثم اعتبرت بحاله، واتعظت بسوء مآله. والسعيد من وعظ بغيره. وأقلعت ولكن لا كل الإقلاع.
ثم إنه توجه إلى صلاح الدين بظاهر عكة يشكو إليه الدولعى وعاد مريضا، وحمل إلى البيمارستان فمات به. وأخذ كتبه المعتمد شحنة دمشق وكان متيما بالصنعة.