للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم أن صلاح الدين دخل دمشق وخرج يودع الحاج. ثم رجع فحم ففصده من لا خبرة عنده. فخارت القوة، ومات قبل الرابع عشر ووجد الناس عليه شبيها بما يجدونه على الأنبياء. وما رأيت ملكا حزن الناس بموته سواه، لأنه كان محبوبا يحبه البر والفاجر، والمسلم والكافر. ثم تفرق أولاده وأصحابه «أيادى سبأ» ومزقوا فى البلاد كل ممزق وأكثرهم توجه إلى مصر لحصنها وسعة صدر ملكها.

وأقمت بدمشق وملكها الملك الأفضل، وهو أكبر الأولاد فى السن. إلى أن جاء الملك العزيز بعساكر مصر محاصرا أخاه بدمشق. فلم ينل منه بغية.

ثم تأخر إلى مرج الصفر بقولنج عرض له. فخرجت إليه بعد خلاصه منه، فأذن لى بالرحيل معه، وأجرى على من بيت المال كفايتى وزيادة. وأقمت معه ومع الشيخ أبو القاسم يلازمنى صباحا ومساءا. إلى أن قضى نحبه. ولما اشتد مرضه وكان ذات الجنب عن نزلة من رأسه وأشرت عليه بدواء، فأنشد:

لا أزود الطير عن شجر … قد بلوت المر من ثمره

ثم سألته عن ألمه فقال:

ما لجرح بميت إيلام

وكانت سيرتى فى هذه المدة أن أقرئ الناس بالجامع الأزهر من أول النهار إلى نحو الساعة الرابعة. ووسط النهار يأتى من يقرأ الطب وغيره. وآخر النهار أرجع إلى الجامع الأزهر ويقرأ قوم آخرون. وفى الليل أشتغل مع نفسى. ولم أزل على ذلك إلى أن توفى الملك العزيز، وكان شابا كريما شجاعا كثير الحياء ولا يحسن قول لا، وكان مع حداثة سنه وشرخ شبابه كامل العفة عن الأموال والفروج.

أقول: ثم أن الشيخ موفق الدين أقام بالقاهرة بعد ذلك مدة وله الرواتب والجرايات من أولاد الملك الناصر صلاح الدين. وأتى إلى مصر ذلك الغلاء