ورحل الإفرنج إلى بلادهم جلس بقصره فى المنصورة وبين يديه إخوته: الملك المعظم عيسى صاحب دمشق، والملك الأشرف موسى صاحب بلاد الشرق، وغيرهما من أهله وخواصه. فأمر الملك الأشرف جاريته فغنت على عودها:
ولما طغى فرعون عكا وقومه … وجاء إلى مصر ليفسد فى الأرض
أتى نحوهم موسى وفى يده العصا … فأغرقهم فى اليم بعضا على بعض
فطرب الأشرف وقال لها: بالله كررى. فشق ذلك على الكامل وأسكتها، وقال لجاريته: غنى أنت. فأخذت العود وغنت:
أيا أهل دين الكفر قوموا لتنظروا … لما قد جرى فى وقتنا وتجددا
أعباد عيسى إن عيسى وحزبه … وموسى جميعا ينصران محمدا
وهذان البيتان من قصيدة لشرف الدين بن حبارة أولها:
أبى المجد إلا أن أبيت مسهدا
فأعجب ذلك الملك الكامل/وأمر لكل من الجاريتين بخمسمائة دينار.
فنهض القاضى الصدر الرئيس الأجل هبة الله بن محاسن قاضى غزة-وكان من جملة الجلساء-على قدميه وأنشد:
هنيئا فإن السعد جاء مخلدا … وقد أنجز الرحمن بالنصر موعدا
حبانا إله الخلق، فتحا لنا بدا … مبينا وإنعاما وعزا مؤيدا
تهلل وجه الأرض بعد قطوبه … وأصبح وجه الشرك بالظلم أسودا
ولما طغى البحر الخضم بأهله الط … غاة وأضحى بالمراكب مزبدا
أقام لهذا الدين من سل عزمه … صقيلا كما سل الحسام المهندا
فلم ينج إلا كل شلو مجدل … ثوى منهم أو من تراه مقيدا
ونادى لسان الكون فى الأرض رافعا … عقيرته فى الخافقين ومنشدا
أعباد عيسى إن عيسى وحزبه … وموسى جميعا ينصران محمدا