الإسكندر الأكبر حتى أتى واستولى عليها؛ ومع كون الأسكندرية كانت فى ذلك الوقت تحت الحكومة، ومركز التجارة وخلافها، لم تتجرد منف عن كل شهرتها؛ لأنه كان باقيا بها مزية تتويج البطالسة، وأمناء الديانة الأهلية، وإن كانوا على غاية من الإطاعة للملوك الغرباء. لكنهم مع ذلك كانوا محافظين على قواعد دينهم ومتمسكين بعبادتهم الأصلية، من غير معارضة أحدا لهم فى ذلك.
ولما وصلت حكومة الديار المصرية إلي قياصرة الرم تضعضع حال تلك المدينة أضعاف ما كان بها قبل؛ فصار أغلب معابدها وسراياتها خرابا، فإن مهمات مبانيها العظيمة كانت تنقل لبناء الأسكندرية، وبقيت هكذا حتى أتى المسلمون هذه الديار، وبنوا مدينة الفسطاط، وصاروا ينقلون ما بقى من آثارها لبناء المساجد والمنازل. ونقل من آثارها أيضا إلى القاهرة وقت بنائها.
فانظر كيف تداول على هذه المدينة ثلاث مدن، ومع هذا فقد بقى مقياسها إلى القرن الثامن من الميلاد وكان يعتمد عليه فى أحوال النيل. وبقى أيضا الأثر الجليل المسمى فى رحلة الشيخ عبد اللطيف بالبيت الأخضر، فإنه لم يكسر إلا فى القرن الرابع عشر من الميلاد يعنى سنة ٧٥٠ من الهجرة الموافقة سنة ١٣٤٩ من الميلاد، بأمر الأمير سيف الدين شيخو العمرى، وأخذت أحجاره ودبشه فى أبنية مسجده، كما ذكره العلامة المقريزى فى خططه.
ومن يمعن النظر فى أطراف جامع شيخو بالصليبة يجد من ذلك قطعا يستدل بها على بعض حوادث مما حصل فى تلك الحقبة التى خلت. والله أعلم.
ولما أتممنا الكلام على مدينة منف على ما اقتضاه المقام ناسب أن نتكلم على ما يقربها من الأهرام وينجرّ الكلام إلى باقيها فنقول: