فمن ذلك صنم ذراعاه سوى قاعدته - فكان نيفا وثلاثين ذراعا، وكان سعته من جهة اليمين إلى اليسار نحو عشرة أذرع، ومن جهة الخلف إلى الأمام على تلك النسبة، وهو حجر واحد من الصوان الأحمر، وعليه من الدهان الأحمر ما لم يزده تقادم الأيام إلا جدّة، وقد حفظ فيه مع عظمه النظام الطبيعى والتناسب الحقيقى، ورأيت أسدين متقابلين متقاربين وصورتهما هائلة جدا، قد حفظ فيهما النظام الطبيعى والتناسب الحيوانى وقد تكسرا وردما بالتراب.
ووجدنا من سور المدينة قطعة مبنية بالحجارة الصغار، والطوب الكبير الجافى متطاول الشكل ومقداره نصف الآجر الكسروى بالعراق، كما أن طوب مصر الآن نصف آجر العراق الآن أيضا. ولم يبق علينا بيان بعد ما ذكرناه.
وبالجملة فهذه المدينة ترادف عليها جملة حوادث فظيعة أوجبت تخريبها على التدريج، وذلك كتغلب الحبشة والفرس، والحروب التى جرت بينهم وبين ملوكها الأهلية، وتمادت مددا طويلة حتى أضرّت بالمدينة وبالقطر جميعه، وكدخول الإسكندر الأكبر، واستيلاء البطالسة عليها، وانتقال التخت إلى الأسكندرية، خصوصا إتخاذ فرعون مصر عساكر من اليونانيين، وإقطاعه إياهم أراضى حتى توطنوا داخل القطر.
فلا شك أن ذلك من أقوى الأسباب التى أوجبت خرابها. فإنهم من عهد دخولهم هذه الديار، كانوا يزدادون كل يوم بسبب الواردين عليهم من أبناء جنسهم، وكانوا متوطنين فى نوقراطيس قرب مصب فرع النيل الشرقى، فكانوا كالمتملكين لهذا البوغاز، وكانوا يسهلون لمن أتى من بلادهم دخول مصر ويحسنون لهم الإقامة فيها، ثم أنهم تقدموا، وقويت شوكتهم زمن فرعون مصر أمزيس، ونفذت كلمتهم بسبب مساعدته لهم فكثر بذلك حزبهم.
ومن ذلك يظهر أنه كان بينهم وبين بلادهم مراسلات علموا منها أخبار مصر وضعف حكامها فى ذلك الوقت. ولعل هذا هو السبب الذى رغب فيها