وكان بقربها مدرسة الزراعة التى أنشأها العزيز محمد على، وجلب لها من البلاد الأوروباوية المعلمين والخوجات، وآلات الفلاحة المستعملة فى بلادهم، وجعل فيها من أطفال أهل القطر وشبانهم أربعين تلميذا؛ لدراسة قواعد فن الزراعة الذى عليه مدار الثروة فى كافة البلاد، وإتقان هذا الفن النفيس علما وعملا، وكذا صناعة استخراج السمن والجبن من اللبن؛ لأن العزيز-عليه سحائب الرحمة-كان ديدنه السعى فيما فيه صلاح رعيته، واعتنى بتلك المدرسة وذهب إليها بنفسه، وعاين تلامذتها، وكان يود نجاحها وانتشار فنونها؛ لكن الأهالى والحكام والمأمورون لتمكن عوائدهم الأصلية فى أذهانهم، كانوا لا يرغبون فى هذه الاصطلاحات الجديدة، بل كانوا يعيبونها ويتكلمون فيها، وينسبون إليها عدم الفائدة، وأنها لا تساوى ما يصرف فيها، وكان كل ذلك يبلغ العزيز، ومع ذلك لم يحصل لهمته فتور عن إدارتها، ولا قلت رغبته فيها، حتى كثر الغط بكثرة مصاريفها مع عدم ظهور فوائد جديدة تقطع ألسنة المتكلمين، خصوصا وناظرها الإفرنجى لكثرة ما رأى من الإهمال فيها، والمعاندة من الأهالى، قد تركها، فخلفه ناظر آخر أرمنى، كان متربيا فى بلاد فرانسا فمال عن الغرض المقصود من تعليم الطرق الجديدة، واتبع فى غالب أعماله عوائد الأهالى؛ فاضمحلت ثمرتها بالمرة، وكان ذلك داعيا إلى نقلها من جهة نبروه إلى شبرا الخيمة؛ لتكون تحت نظر موسيو هامون مع مدرسة البيطرة والاصطبلات لما له من الحذق والنصح فى وظائفه، فاجتهد هامون فى ترتيبها وإتقان التعليم فيها على أسلوب البلاد الفرنساوية، وغرس أشجارا ونباتات وخضرا أجنبية، فاكتسب بعض التلامذة طرقا لعلاج النباتات، وتحسين ثمارها وتقوية نموها، غير أن ذلك لم يظهر للمعارضين؛ فداموا على تحسين ما اعتادوه وطرح ما عداه، ومعلوم أن من جهل شيئا عاداه، وأن الأمور التى تحدث فى الأقطار على خلاف المعتاد لطباع أهلها تحتاج لكثرة المزاولة، وزيادة الالتفات، واستعمال الصبر عليها، وبذل الأموال فيها،