المهدى الحفنى الشافعى، اهتدى إلى الإسلام وهو صغير على يد شيخ العلم والطريقة الشيخ الحفنى، وأشرقت عليه أنوار الإسلام، وفارق أهله وتبرأ منهم، وكانوا أقباطا، ولازم الشيخ واستمر بمنزله مع أولاده حتى ترعرع، وحفظ القرآن، واشتغل بطلب العلم، وحفظ المتون ولازم دروس الشيخ الحفنى، وأخيه الشيخ يوسف، وغيرهما من مشايخ الوقت مثل الشيخ على الصعيدى العدوى، والشيخ عطية الأجهورى، والشيخ الدردير. واجتهد في التحصيل ليلا ونهارا، وأنجب ولازم مجلس الشيخ الدردير بعد وفاة الشيخ الحفنى، وتصدى للتدريس سنة تسعين ومائة وألف، ولما مات الشيخ محمد الهلباوى سنة اثنتين وتسعين جلس مكانه بالأزهر، وقرأ شرح الألفية لابن عقيل، ولازم الإلقاء والتدريس، فنما أمره، واشتهر ذكره، وصاهر الشيخ محمد الحريرى الحنفى على ابنته، وأقبلت عليه الدنيا، وتداخل فى الأكابر ونال منهم حظا وافرا بحسن معاشرته، وتنميق ألفاظه، ثم اتحد بإسماعيل كتخدا حسن الجزايرلى، وأكثر من التردد عليه، فلما أتته ولاية مصر واستقر بالقلعة، واظب على الطلوع والنزول إلى القلعة، وكان يبيت عنده فى غالب الليالى، فأنعم عليه بالخلع والكساوى، ورتب له مرتبات فى الضربخانة والسلخانة، ووقع فى زمن ولاية إسماعيل بيك الطاعون الذى أفنى غالب أمراء مصر وأهلها. وذلك سنة خمس ومائتين وألف، فاختصه بما أحببه مما انحلّ عن الموتى من إقطاعات ورزق وغيرها، وزادت ثروته وسعيه فى تحصيل الدنيا، وأخذ يتجر ويشارك فى أشياء كثيرة مثل الكتان والقطن والأرز وغير ذلك، والتزم بعدة حصص بالبحيرة، مثل شابور وغيرها بالمنوفية والغربية، وبنى دارا عظيمة بالأزبكية، بناحية الرويعى، بما يقابلها من الجهات الأخرى عند السباط، ولما حضرت الفرنساوية إلى الديار المصرية، وخافهم الناس، وخرج الكثير من الأعيان وغيرهم، هاربين من مصر تأخر المترجم عن الخروج، ولم ينقبض كغيره عن المداخلة فيهم، بل اجتمع بهم وواصلهم ولا طفهم وسايرهم فى أغراضهم، فأحبوه وأكرموه، وقبلوا شفاعته، ووثقوا بقوله، فكان هو المشار إليه فى