للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وعادة أكابرهم فى مضايفهم أن لا يخرجوا العشاء إلا بعد العشاء بنحو ساعة، وربما تأخر ساعتين عنها، ومنهم من يؤخر الأذان إلى أن يتعشوا، ويقولون: إن فى التأخير رفقا بالضيف إذ ربما يقدم ضيف بعد العشاء، ولا يخرجون الفطور إلا قبيل الظهر، فمن لم يتأخر من الضيفان إلى هذا الوقت يذهب بلا فطور، إلا على القهوة، ومع كونهم يخرجون فى العشاء والغداء شيئا كثيرا، فمن لم يدرك الأكل فلا يخرج له، بل يبقى جائعا إلى خروج الأكل المعتاد، ثم إن نصارى بلاد الهلة قليلون، وكانوا مستعبدين لهم قبل حكم العزيز محمد على، ويقتسمونهم ويتوارثونهم كالمماليك، ويحكمون فيهم ويحامون عنهم ويستخدمونهم كما كان ذلك فى كثير من البلاد، إلا أن أهل الهلة أشد فى ذلك، فإنهم قوم عتاة شم الأنوف، وفى كثير منهم الكبر والخيلاء والجهل.

فمن ذلك أن بعضهم سمع القارئ يقرأ (يسئلونك عن الأهلة) فقال: قد ذكرنا الله فى قرآنه، فلا أحد يماثلنا، ومن ذلك أنهم كانوا لا يرضون بتعليم أولادهم القراءة، ويعدوّن ذلك عيبا وضعفا عن الشجاعة والسلب والقتل.

واتفق أن بعضهم بعث ابنه إلى الأزهر فاجتمع أكابرهم، وذهبوا إليه وألزموه بإحضاره من الأزهر، وقالوا له: إذا نحن علمنا أولادنا القرآن والعلم، فمن يقتل العدوّ ويشرب من دمه؟ وكانوا يجلبون إلى مساجدهم أئمة من البلاد مثل: طهطا ونحوها لمجرد تمام الانتظام وحب الفخر، لا رغبة لهم فى الصلاة والديانة.

ومع ذلك، فمنهم للفقهاء والعلماء إحسانات وهدايا وتفقدات، وعليهم لهم مرتبات سنوية من متحصل الزراعة، بحيث تكاد تفى بزكاة حرثهم، بل ربما يزيد ذلك عن الزكاة، إلا أنهم لا ينوون بها الزكاة، ثم دخلتهم الرقة، ودبت فيهم الرحمة، وحب العلم والعلماء، ورغبوا فى تعليم أولادهم، وجعل كثير منهم عند بيته مكتبا لتعليم أولاده وغيرهم، ومنهم مجاورون بالأزهر إلا أن