النخيل دورة الخلخال بالساق، أو التفاف يد العاشق على معاطف المعشوق للعناق. وفيها من التمر ما تشتهيه الأنفس، وتلذ الأعين، مع رخص الأسعار، وحسن تلك الثمار، فأقمنا بها مدة خمسة أيام، وفى صبيحة اليوم السادس ارتحلنا، وسرنا نحو يومين، وفى اليوم الثالث، حللنا بلدة يقال لها (أبيريس) وهى بلدة قد استولى عليها الخراب من ظلم الحكام، وتمزق شمل أهلها بعد الانتظام، ففسد ما به من النخيل، وذهب رونقه بعد أن كان جميل.
ثم سافرنا يومين، ونزلنا فى ثالثهما بلدا يقال لها (بولاق)، وهو من الساكن فى إملاق، قد درست معالم أكثرها، وتصدع بناء أقومها وأشهرها، ومن العجائب أن نخلها فى غاية القصر، وهو حامل للثمر لا يتكلف جانيه للقيام، بل يتناول منه، ولو فى حالة النيام، قيل: إن هذا البلد كان أعمر من كل بلد، فأخنى عليه الذى أخنى على لبد، وتمزق شمل أهله، ولم يبق به أحد، وليس به من الأشجار إلا ما قل، وهو بعض أثل وعبل، فأقمنا فيها يومين، وملأنا القرب وارتحلنا، وللمفازة الحقيقية دخلنا، فمكثنا خمسة أيام فى مهمه قفر، أو بيداء غبراء، ليس فيها من الحشائش إلا عاقول قليل، كما لا يوجد بها شجر يصلح للمقيل، وفى عشية اليوم الخامس وردنا محلا يقال له (الشب) وهو محل بين عرود (كثبان) من الرمل عليه ربح الوحشية، قد هب فأرحنا به يومين، وارتحلنا.
وللمفازة الثانية دخلنا، فقطعناها عنقا وذميلا فى مدة أربعة أيام، نزلنا فى ضحى خامسها، عند بئر يقال لها (سليمة) وبهذه البئر رسوم أبنية قديمة، وهى فى عرض جبل مسمى بهذا الاسم أيضا، ومن خواص هذا المحل أن الحال به، يستأنس به، ولا يستوحش منه، ومن العجائب، أن الشبان من أهل القافلة يصعدون على الجبل الذى هناك، ويضربون الحجارة بعصىّ صغار، كما يضربون الطبول، فيسمع لها صوت كالطبل، ولا يعرف سبب ذلك، أهو تجاويف فى الحجر، أو هى موضوعة على خلو؟، فسبحان من يعلم حقيقة