للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الحج، فقضى ما وجب عليه، ثم خرج من مكة إلى (بندر) أى مرسى جدة، واجتمع بأناس من جزيزة (سنار)، فارتبطت بينهم صحبة، فتوجه معهم إلى بلادهم، فقابلوا به الملك (الملك)، وأعلموه أنه رجل من أهل العلم، غريب الديار، قد انكسرت سفينته، وضاع ما كان حيلته، فرحب به، وأنزله دارا كرامة، وأجرى عليه رزقه، فاستقر جدى بسنار، ونسى أهله وأولاده بتونس، وكان أولاده ثلاثة، أوسطهم المغفور له والدى، كان عمره ست سنين، فانحنى عليهم خالهم المولى الأجل الأكمل الأمثل، الفقيه المحدث السيد أحمد بن العلامة الرحلة السند السيد سليمان الأزهرى صاحب التصانيف العديدة، فلما شب والدى، وبلغ مبلغ الرجال، وكان قد حفظ القرآن، وحضر بعض دروس فى العلم على خاله وغيره، تحرك شوقه إلى الحج ووافقه خاله فتجهزا معا للسفر، وركبا البحر من تونس إلى الإسكندرية، ومنها إلى مصر، ثم توجها إلى القصير، وبينما هما سائران فى القافلة/إذ ناداهما مناد: يا أيها المغاربة، هل فيكم أحد من تونس؟

فقال أبى: نعم من أنت؟

فقال: أنا نسيب أحمد بن سليمان. فعرفه خال أبى، وقال لأبى: يا عمر سلّم على أبيك، فأكب والدى يسلم على أبيه، ويقبل يده، ثم سلم جدى على نسيبه، وهو فى الشبرية، وبعد انقضاء السلام قال أبى لوالده: أتتركنا هذه المدة بدون نفقة، ونحن صغار؟ فقال: ما حيلتى والقضاء والقدر يجريان على وفق الإرادة، ثم توجه والدى وخاله إلى الحج، وتوجه جدى إلى المحروسة وجعلوها الموعد، فلما رجع والدى من الحج إلى المحروسة، وجد جدى قد باع تجارته ورجع إلى سنار.

وأما خاله فتوفى فى مكة المشرفة، فأقام والدى بالقاهرة ينتظر والده، ويحضر العلوم بالأزهر، ثم سافر إلى سنار، فوجد والده قارا فى داره، مغتبطا بعياله، لا يسأل عن غيرهم، فعرض عليه الذهاب معه إلى تونس.