فقال: أما الذهاب فلا سبيل إليه؛ لما علىّ فى تونس من الأموال، لا سيما وقد أخبرت بأن أمك قد تزوجت؛ فسأله الإذن له فى السفر من القافلة المتوجهة، فقال: يكون ذلك إن شاء الله فى قافلة أخرى؛ حتى أجمع لك ما تسافر به، بحيث لا تعود إلا مجبور الخاطر، فاستطال والدى اللبث، وقال:
إنى مشتاق إلى طلب العلم، وخرج مغضبا مع القافلة لا يملك شيئا، فألحق به والده بعد ثلاثة أيام ثلاثة جمال، وأربع جوار، وعبدين، وعلى الجمال أهبة السفر، من مؤنة وماء، وعلى أحد الجمال حمل صمغ، فأخذها والدى، وسار مع القافلة، فضلوا عن الطريق، وأدركهم العطش، وطال عليهم الأمد، فمات الرقيق والجمال، ورجع فقيرا كما كان، ثم من لطف الله تعالى أن مرض خبير القافلة بصداع، أحرمه الهجوع، فكتب له والدى رقعة وضعها على محل الألم، فبرئ لوقته، فاعتقد فى والدى الصّلاح، وأمر بحمله، وأن يحمل له عدل صمغ على إبله، فوصل والدى إلى مصر، وباع الصمغ بخمسة وسبعين فندقليا، واشتغل بطلب العلم فى الأزهر، وتزوج والدتى إذ ذاك، فولدت له ولدا لم يعش، ثم توجه إلى تونس، وأخذ أمى وأمها، وكنت إذ ذاك حملا، فولدت بعد ذلك بخمسة أشهر. ثم قفل بنا إلى مصر؛ لطلب العلم فى سنة سبع ومائتين، فحضر درس الشيخ عرفة الدسوقى، ودرس شيخ المشايخ الشيخ محمد الأمير الكبير، وتولى نقيبا برواق المغاربة، وكان فى عيش متوسط، وفى سنة إحدى عشرة ومائتين وألف ورد عليه كتاب من أخيه لأبيه، بسنار مضمونه: إن والدنا توفى إلى رحمة الله تعالى، وترك جملة كتب سرقت منا، وبقينا بحالة تسر العدو وتسيء الصديق، فعجل بالقدوم إلينا، لتأخذنا معك، نعيش بما تعيش به، فلما قرأ الكتاب بكى، وتعجل بالسفر إليهم، وتركني ابن سبع سنين، فقد ختمت القرآن بداية، ووصلت فى العيادة آخر آل عمران.
وكان لى أخ ابن أربع سنين، وترك لنا نفقة ستة أشهر، فمكثنا سنة، باعت والدتى أشياء كثيرة من نحاس وحلى، ثم جاء عمى الصغير المسمى بالطاهر، فانحنى علينا يربينا، وكان قد جاء للحج والتجارة، ومعه ابن له