كالشمس الضاحية اسمه محمد، كان يذهب معى إلى المكتب، ألمت به أمراض أسكنته القبور، بعد أن حفظ القرآن، وابتدأ فى حضور العلم، فكره عمى المقام بمصر لخلوها من ولده، فسافر إلى الحج ثانيا، وتركنى لطلب العلم بالأزهر، وترك لى نفقة تكفينا أربعة أشهر، ومكث هو أكثر من ذلك، فنفدت، وضاق ذرعى لذلك، وأنا إذ ذاك فى شرخ الشباب، فبقيت متحيرا لا أدرى ما أصنع، واستنكفت أن أترك طلب العلم، وأتعلم إحدى الصنائع، وبينما أنا متحير فى طلب المعاش، إذ بلغنى أن قافلة وردت من دارفور، وكان قبل ذلك بلغنا أن والدى توجه من سنار إليها صحبة أخيه، فتوجهت إليها؛ لأسأل عن أبى، فلقيت رجلا من أهل القافلة، مسنا ذا هيبة ووقار، يسمى السيد أحمد بدوى، فقبلت يده، ووقفت أمامه.
فقال لى: ما تريد؟.
قلت: أسال عن غائب لى فى بلدكم، لعلكم تعرفونه؟
فقال: من هو؟
قلت: اسمه السيد عمر التونسى من أهل العلم.
فقال على الخبير به سقطت، هو صاحبى، وأنا أعرف الناس به، وأرى بك شبها به، فكن ابنه.
فقلت: أنا هو على تغير حالى، وتبلبل بالى.
فقال: يا بنى ما يقعدك عن اللحاق بأبيك؛ لترى عنده ما يهنيك؟
قلت: قلة ذات يدى.
فقال: إن أباك من أعظم الناس عند السلطان، وأكرمهم عليه، وإن أردت التوجه إليه فأنا عليّ مؤنتك، ومركوبك، وراحتك؛ حتى تصل إليه