فقال: إى وحقّ الرسول، لأن أباك فعل معى معروفا، لا أقدر على مكافأته، فعاهدته على ذلك، وجعلت أتردد إليه؛ حتى تأهب وقال لى: السفر غدا. فبت عنده فى ألذ عيش، وبعد أن صلينا المكتوبة، أبرزنا الأحمال، وحملت على الجمال، وسرنا طلوع الشمس من القاهرة، ثم صلينا الجمعة بالفسطاط، وسرنا فى البحر على بركة الله تعالى إلى آخر ما مر، ثم إن المترجم أقام فى بلاد السودان مدة مترفا منعما معظما، وطاف فى جهاتها، ورأى العجائب، واطلع على بلادها، وعوائدها، كما شرح ذلك فى كتابه المذكور، ثم عاد إلى مصر، وقد فقدت أمواله، وتحولت أحواله، واشتغل بالعلوم وتحصيلها ولم يعدل عن سبيلها/قال فى خطبة كتابه: لما وفقنى الله تعالى لقراءة علوم العربية، وأترع كأسى من بينها بالفنون الأدبية، وحسبت من بنى الأدب وذويه وعشيرته، أناخ الدهر بكلكله على ما بيدى من العين، فغادره أثرا بعد عين. وكانت همتى إذ ذاك مصروفة إلى تحصيل العلوم، وجمع المنثور منها والمنظوم، وحين شاهدت معاندة الزمان لمقتى تمثلت بقول العلامة الصفتى.
هبطت ثريا الشاردات لهمتى … وصعدت فى العرفان كل سماء
وفقهت غيرى فى العلوم وإنما … بينى وبين المال كل تنائى
فعجبت إذ عقد اللواء لجاهل … والفقر عم عمائم الفقهاء
وصفرت الراحة، وعرفت الساحة، ومال المال، وحال الحال، وغار المنبع، ونبا المربع، وناجتنى القرونة أن أسأل بعض أناس المعونة، فتذكرت أن ليس كل أحمر حمه، ولا كل أبيض شحمه، وربما يريق الإنسان ماء وجهه، ولا يحظى بقصده