للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وذكر بعض من ترجم مقار المذكور أن سكنه كان بصحراء متسعة بينه وبين دير النطرون يوم وليلة، وكان الذهاب إليه خطرا جدا؛ لأن المسافر إليه كان إذا ضل عن طريقه ولو قليلا تاه فى واسع تلك الفيافى، وكان قريبا من بركة إيلوس التى بنيت بجوارها الكنائس النصرانية القديمة، وتشاهد نحوها العيون النابعة، وهى بعينها بركة شبيت المذكورة فى بعض مؤلفات سلف الأقباط.

وكان سكان ليبيا (برقة) ورعاة ضواحى جبل نطريه (وادى النطرون) يذهبون إليها كل سنة؛ لتسريح مواشيهم فى الكلأ الذى حول البركة، وكانت هذه الصحراء تسمى أيضا جبل الملح الذى سماه بعضهم جبل النطرون. قال سيراببون: إن مارى مقار طلب من أبيه الإذن بالتوجه إلى جبل النطرون بالشغالة والجمال مع من لهم عادة بالذهاب لاستخراج النطرون من ذلك المحل، وفى تلك الأيام كان بقرب صحراء شهيت قرى كثيرة عامرة بالناس، وكانوا يذهبون إليها لاستخراج النطرون، وكانوا على قلب رجل واحد ويدافع بعضهم عن بعض العرب القاطنين خلف الجبل الذين من عادتهم السلب والنهب من على شاطئ النيل وما حوله من البلاد، ففى ذات يوم أن وصل مقار وأصحابه إلى الجبل أخذهم النوم، فرأى فى منامه إنسانا يقول له: قم وانظر حول هذه الصحراء والصخرة الموجودة بوسطها، فنظر، فلم ير غير مبدأ هذه البحيرة الواقعة بحرى الوادى، والجبل المحيط بها فسمعه يقول: إن جميع هذه الأرض لك تسكنها، فانتبه من نومه، وبعد ثلاثة أيام فارق الجبل، ورجع إلى بيته، وبعد قليل جعل إقامته فى هذه الصحراء، وطاف بجميع جهاتها واختار لنفسه مسكنا بالقرب من بحيرة النطرون، ليكون قريبا من الماء، وجعل مسكنه نقرا فى الحجر، ثم بعد أيام فارق هذا المسكن؛ بسبب القرب من العسكر المحافظين على استخراج النطرون؛ وجعل مسكنه فى رأس صخرة قبلى البحيرة تحت العين وفوق الوادى، وحفر بقرب ذلك المحل بئرا سميت فيما بعد بئر مارى مقار؛ بسبب أنه ألقى فيها، وقيل: إنه حفر أيضا بالصحراء