وغير المقاييس النقالية المذكورة كان يوجد مقاييس ثابتة مصنوعة من البناء فى مواضع متعددة، بنيت بأوامر الملوك والفراعنة الذين تصرفوا فى أمر الديار المصرية، وكان عليها يقاس ارتفاع الفيضان والمبانى المذكورة كانت تارة فى صورة أعمدة مقسمة قائمة فى وسط حياض يصل إليها ماء النيل، وتارة كانت الأقسام المذكورة موجودة على نصف جدران الحياض، وفى بعض المواضع كانت الأرصفة مدرجة على هيئة السلم تبتدئ من القاع إلى آخر الحرف، وعليها كان يقاس ويعلّم ارتفاع الفيضان، وبعض الأعمدة كان مدرّجا كما فى هذا الشكل من الأسفل إلى الأعلى، والبعض كان فى عمود لم تكن تقاسيمه إلا فى جزئه الأعلى هكذا وكانت مقاييس أخرى غير الماضية فكان منها ما صورته كصورة السلم الخشب هكذ أو فى هذه الصورة وبعضها كان على هذه الصورة وهناك من المقاييس ما هو كهيئة سلّمين متقاربين هكذا وتوجد أشكال كثيرة غير التى ذكرنا مرسومة على جدران المبانى، وهى تدل بلا شك على الأنواع المختلفة من المقاييس التى كانت تستعملها المصريون، والتى استفدناه مما ذكره «هيرودوط» وهو أقدم مؤرخى اليونان الذى ساح الديار المصرية فى الأزمان القديمة، وأقام مدة فى المدن الثلاث المشهورة - فى تلك الأزمان - وهى: طيبة، ومنف (١)، وعين شمس، هو أنه كان يوجد مقاييس متعددة واحد منها كان بمدينة «منف» التى عقبت مدينة «طيبة» وصارت تخت الديار المصرية، وأخبرته قسس منف: أنه فى زمن فرعون مصر ميربيس كان إذا زاد النيل ثمانية أذرع أروى جميع الأرض الكائنة فوق مدينة منف، وكان فى وقت السياح المذكور لا تروى إلا إذا وصلت الزيادة إلى ستة عشر ذراعا أو إلى خمسة عشر.
(١) انظر تاريخ منف فى: الفضائل الباهرة فى محاسن مصر والقاهرة لابن ظهيرة، ص ٧. ط. دار الكتب.