تلك النواحى، وقال فى كتاب «بدائع الزهور»: إن السلطان عدّى إلى جهة الروضة، وأمر بتجديد الجامع الذى هناك تجاه المنشية، وتجديد بعض أماكن المقياس وانتهى ذلك فى سنة ست وثمانين وثمانمائة، وصار يعرف بجامع السلطان، وكان أصل من أنشأه الفخر ناظر الجيش ثم جدده الصاحب شمس الدين محمد بن المقسى. وفى سنة اثنتين وتسعمائة، كانت الحرب واقعة بين السلطان (١) وبين الأمير آقبردى، وكانت الناس فى قلق، وزاد قلقهم بسبب أن النيل بعد أن كان قريبا من الوفاء استمر لا يزيد إلا قليلا إلى يوم سبع وعشرين من شهر مسرى، فوصل إلى حد الوفاء، فقطع الخليج فى اليوم الثامن والعشرين منه، المقابل لليوم الثانى عشر من شهر الحجة، وكان الأمير آقبردى هو الحاكم فى القاهرة، فأمر الوالى بأن يجرى قطع الخليج بحضوره، فلما وصل إلى الموضع المعد لذلك، وجد أن الشيخ عبد القادر الدشطوطى المشهور عند العامة الآن «بالطشطوشى» قد أمر بقطعه، ودخل الماء فى جزء عظيم منه، فاكتفى بذلك، ولم يعمل فى تلك السنة مهرجان كالعادة بسبب ما كان واقعا من الحروب والفتن بين الفريقين؛ لأنه منع الالتفات إلى النيل الذى لم يبق إلا مدة يسيرة، ثم هبط ولم يزرع من الأراضى إلا القليل، وغلا سعر الحب فى تلك السنة.
وفى سنة ثلاث وتسعمائة هجرية، كان النيروز فى أول يوم من شهر المحرم. ووفّى النيل فى اليوم الرابع من شهر المحرم من سنة أربع وتسعمائة هجرية، وصار إعلانه فى تسعة عشر من مسرى، ورغب السلطان الملك الناصر أبو السعادات محمد بن قايتباى المحمودى أن يتوجه بنفسه لقطع الخليج، فمنعه مماليكه خوفا عليه من أن يقتل، فاغتم السلطان لذلك، ونزل من القلعة بعد صلاة العشاء مع جملة من أصحابه ورجاله وأمامهم
(١) فى الأصل: ابن السلطان. والصحيح ما أثبتناه، فالحرب كانت بين السلطان الملك الناصر محمد بن الأشرف قايتباى وبين الأمير آقبردى الدوادار. انظر: بدائع الزهور، ج ٣، ص ٣٦٨ - ٣٦٩.