وكان فى الأيام القديمة من أعظم الأعياد وأهم المواسم، وكان شيخ المقياس يقيد فى دفتر مخصوص ما حصل من الزيادة فى كل سنة مدة فيضانه يوما فيوما. فبهذه الكيفية كانت حوادث الفيضان معلومة من ابتدائه إلى انتهائه من دفاتر القضاة الذين توارثوا هذه الوظيفة، وكان يسهل بذلك معرفة حوادث النيل.
قال فى الخطط: قال ابن الطوير: إذا أذن الله ﷾ بزيادة النيل المبارك، طالع ابن أبى الرداد بما استقر عليه أذرع القاع فى اليوم الخامس والعشرين من بؤنة وأرّخه بما يوافقه من أيام الشهور العربية فعلم ذلك من مطالعته، وأخرجت إلى ديوان المكاتبات، فنزلت فى السير المرتب بأصل القاع، والزيادة بعد ذلك فى كل يوم تؤرخ بيومه من الشهر العربى وما وافقه من أيام الشهر القبطى، لا يزال كذلك، وهو محافظ على كتمان ذلك لا يعلم به أحد قبل الخليفة وبعده الوزير، فإذا انتهى فى ذراع الوفاء وهو السادس عشر إلى أن يبقى منه أصبع أو اصبعان، وعلم ذلك من مطالعته، أمر أن يحمل إلى المقياس فى تلك الليلة من المطابخ عشرة قناطير من الخبز السميذ، وعشرة من الخرفان المشوية، وعشرة من الجامات الحلواء، وعشر شمعات، ويؤمر بالمبيت فى تلك الليلة بالمقياس، فيحضر إليه قراء الحضرة والمتصدرون بالجوامع بالقاهرة ومصر ومن يجرى مجراهم فيستعملون ذلك، ويوقدون الشمع عليهم من العشاء الآخرة وهم يتلون القرآن برفق ويطربون بمكان التطريب، فيختمون الختمة الشريفة، ويكون هذا الاجتماع فى جامع المقياس، فيوفى الماء ستة عشر ذراعا فى تلك الليلة، فإذا أصبح الصباح من هذا اليوم وحضرت مطالعة ابن أبى الرداد إلى الخليفة بالوفاء، ركب إلى المقياس لتخليقه على الهيئة التى تقدم ذكرها فى الركوب، ومتى وصل الخليفة إلى فسقية المقياس، يصلى هو والوزير ركعات، كل واحد بمفرده، فإذا فرغ من صلاته، أحضرت الأوانى التى فيها الزعفران والمسك فيديفها بيده بآلة، ويتناولها صاحب بيت المال ثم يناولها لابن أبى الرداد، فيلقى