عند أول نصبهم لها وقع اثنان من الفرّاشين فماتا. ولذلك كانت تسمى تلك الخيمة «بالقاتول»، وإلى جانبها من جهة الشمال خيام الأمراء، وهذه الخيام مرتبة على حسب منازلهم، فإذا استقر الخليفة على سريره فى تلك الخيمة، أحضرت القراء وقرأت ساعة، ثم احضرت الشعراء/واحدا بعد واحد بمعرفة صاحب هذه الوظيفة الملقب «بالنائب»، ثم يقوم الخليفة، ويخرج من باب غير الذى دخل منه، مارا إلى منظرة تسمى «منظرة السكرة» أعدّت له عند الموضع الذى يفتح منه الخليج، فإذا استقرّ بها وفتحت الطاقات المشرفة عليه، أخذ العمال فى فتح السد بحضرة والى مصر ومتولى البساتين ومشارفها والعملة فى فتح السّد هم عمال البساتين، كل ذلك والقرآن يقرأ بالجانب الغربى الذى فيه الخليفة، وأنواع الملاعب فى الجانب الشرقى، ورؤساء السفن وخدامها واقفون وعليهم خلع سلطانية شرفوا بها فى ذلك اليوم، والسفن مزينة بزينة لائقة بها، فإذا فرغ من فتح السد، واندفعت السفن الصغار ثم السفن الكبار، قبّل الأرض والى مصر ورجع إلى مكانه من الجانب الشرقى، وأخذ متولى الموائد فى تفريقها حسب ما رسم عنده فى دفتره، فمتى فرغ من ذلك، ركب الخليفة والموكب على الهيئة الأولى لم ينقص منه شئ حتى يعود إلى القصر. وهكذا يفعل فى كل عام.
وكانت العادة عندهم إذا حصل وفاء النيل؛ أن يكتب إلى العمال ببشارة وفاء النيل، وصورة ما يكتب مسطورة فى خطط المقريزى. وقد أسلفنا طرفا من ذلك، ولم نورد إلا اليسير مما ذكره المقريزى طلبا للاختصار، وقصد البيان ما كان يعمل فى الأيام السابقة ومقارنته لما صار يعمل بعد، حيث تغيرت الأمور، وتبدلت الأحوال، فإنه وإن كان عيد وفاء النيل من الأعياد المشهورة عند الأمة المصرية، وهى إلى الآن محافظة عليه، غير أن كيفيته لم تدم على حالة واحدة؛ لأنه كان يكثر الاعتناء به ويقل بحسب الأوقات، وكان يومه يوم توسعة على العام والخاص، ويوما يعم سروره أهل القرى والبلدان.