ففى زمن الأيوبية ومن بعدهم، على ما وجدته فى كتاب «قطف الأزهار من الخطط والآثار» تأليف الإمام العالم العلامة الأستاذ الكبير والعلم الشهير الشيخ أبى السرور البكرى الصديقى، المؤلف سنة أربع وثلاثين وألف:
أنه كان يركب السلطان أو نائبه ومعه الأمراء وأركان الدولة من قلعة الجبل، فيخرج من باب السلسلة إلى الرميلة ثم الصليبة ثم قناطر الكبش إلى أن يدخل إلى مصر القديمة تجاه دار النحاس على شاطئ النيل، فينزل هناك، وقد أعدت له «الحرّاقة والذهبية».
والحرّاقة: هى التى يقال لها العقبة، وهى باسم السلطان، مزينة مزخرفة بالذهب وغيره، فينزل السلطان ومن معه من الخواص فى الحراقة، وينزل من بقى فى الذهبية، وهناك سفن شتى وحراقات كثيرة مزينة يركب فيها أربابها من الأمراء والمباشرين وغير ذلك، ثم تسير الحراقة بالسلطان والسفن المذكورة كلها تابعة لها فى السير، ويشق السلطان البحر حتى ينتهى إلى الروضة، فيركب بعض خيوله إلى أن ينتهى إلى المقياس السعيد، فيدخل هناك هو ومن معه، ويخلق المقياس بالزعفران المشرّب بالورد والمسك، ثم يصلى ركعتين هناك، ثم تمد له أسمطة جليلة، ثم بعد ذلك تقدم له سفينة من شباك المقياس، وقد علق عليه سترة الذهب فوق البسطة، فيركب هو ومن معه، ثم يسير راجعا فى بحر مصر والناس حولهم فى سفائنهم، والطبول والزمور تضرب إلى أن ينتهى إلى بحر مصر، ثم ينعطف على الخليج الحاكمى إلى القاهرة، وهو مع ما ذكرنا يبذر الذهب والفضة على من حوله وعلى من قرب منه من الناس من الفقراء برا وبحرا، ذهابا وإيابا، والفواكه والحلواء ونحو ذلك تفرق إلى أن ينتهى إلى سدّ مصر، وهو المراد بالكسوة، وهو عبارة عن جسر مكتوم من التراب تجاه القنطرة، ثم يشير السلطان إلى جماعة موكلين به بأيديهم المساحى إشارة بمنديل أو غيره، فيقطعون ذلك فى أقل من دقيقة، ثم تقدم له الخيول فيركب ويكر راجعا إلى القلعة.