سنة ألف وثلثمائة واثنتين، ولنبين بالإيجاز المبانى التى كانت عليه، وما بقى من آثارها بعد أن أبادتها الحوادث، ليعلم القارئ بعد وقوفه على هذه التنقلات؛ صحة القول بأن البقاع تشقى وتسعد تبعا لأهلها.
فنقول: يعلم مما ذكره المقريزى فى مواضع متفرقة من الخطط؛ أن العرب لما افتتحوا مصر، لم يكن بين مدينة عين شمس وبين قصر الشمع إلا قرية تعرف «بأم دنين»، ومحلها الآن «حارة النصارى» بقرب أولاد عنان، وكانت على النيل، أقام عليها عمرو بن العاص زيادة عن شهر يحارب الأقباط، وعندها اقتسم الصحابة الغنيمة، فلذلك سميت «المقس»، وأصله المقسم، أى محل القسمة. وفيما بين هذه القرية وقصر الشمع برك وبساتين وديور وكنائس للنصارى. وكان قصر الشمع أيضا مطلا على النيل، وكانت السفن تصل إلى بابه الغربى الذى كان يعرف «بباب الحديد»، ومنه ركب المقوقس فى السفن حين غلبه المسلمون، وسار منه إلى الجزيرة التى تجاه القصر، وهى التى عرفت «بحزيرة الروضة» وإلى الآن تعرف بهذا الاسم، وبجزيرة المقياس، وبالمنيل. وإلى اليوم الباب الذى خرج منه المقوقس باق مسدود بالحجارة، تحول عنه النيل إلى الغرب بقدر أربعمائة متر، وكان فى قبلى هذا القصر بركة ماء فيما بينه وبين قرية طرا، سميت فيما بعد «ببركة الحبش» كما فى الخطط، وسبب هذه التسمية: أنه كان فى قبليها بساتين منسوبة إلى قتادة بن حبش الصدفى، شهد فتح مصر، فسميت «بركة الحبش» من أجل ذلك.
ويظهر من هذه العبارة أن أرض البساتين قد خلفها النيل قبل الفتح، وكانت بيد القبط يزرعونها، فلما حصل الفتح استولى عليها المسلمون، وجعلت بساتين، أو أنها كانت بساتين من قبل الفتح، وكانت البركة باقية من الموات يغمرها النيل عند الفيضان. وفى التحريق يتحول عنها فيبقى الماء فيما انحط منها ينبت به الحشيش والبوص ويزرع دائرها.