للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم لما كانت سنة ثلاث وتسعين من الهجرة، استحوذ عليها قرة بن شريك فى زمن إمرته على مصر، وأحياها وغرسها قصبا، فعرفت «باصطبل قرة» و «باصطبل قامش» أى البوص، ولا بد أن يكون هذا الإحياء احتاج إلى أعمال طردت النيل عن جبل الرصد، وصار الساحل بعيدا عنه إلى حيث هو الآن تقريبا، وتخلفت أرض صارت/تزرع، وهى التى صارت فيما بعد بساتين ومزارع، تنقلت بالملكية من يد إلى يد، وبنى فيها على التدريج قرية «دير الطين» وقرية «الأثر» وقرية «البساتين» و «دير العدوية» وهو أقدمها.

وأما الأرض التي بحرى القصر، فكانت كما ذكر المقريزى ديورا ومزارع، وبنى المسلمون بها جامع عمرو، وكان لا يفصل بينها وبين النيل بناء، وقد ذرعت ما بين الجامع، والنيل الآن فوجدته خمسمائة متر، فكان ساحل النيل وقتئذ بقرب الجامع، ومن هناك كان يسير النيل حتى يكون تحت جبل يشكر.

قال المقريزى (١): إن هذا الجبل كان يشرف على النيل، وإن الكبش كان يشرف عليه أيضا، وقد مشيت فوق جبل الغزلانى الذى هو جبل يشكر فوجدته كبيرا، يمتد إلى جامع ابن طولون والكبش من بحرى، وإلى الرصد من قبلى. ومن يسير بحذاء العيون المجعولة لتوصيل المياه إلى القلعة إلى أن يجاوز السلخانة الجديدة، يرى الطبقات الحجرية لهذا الجبل ظاهرة شرقى السلخانة بقليل وفوقها عدة عيون من عيون المجراة، وقد ذرعت ما بين أقرب نقطة من هذا الجبل إلى النيل فوجدته ألفا ومائة وستين مترا بالقياس على حائط المجراة، وألف متر فقط بالقياس على خط مستقيم، وهى المسافة التى بعد بها النيل من حين الفتح إلى وقتنا هذا. ومن يتأمل فى خرطتى القاهرة والفسطاط معا، يجزم بأن النيل كان بعد أن يفارق الكبش يسير قريبا من شارع السيوفية، ثم يسير إلى قرية أم دنين عند أولاد عنان، ثم ينعطف إلى الشرق حتى يكون بقرب عين شمس، فكان ساحله محل الشارع


(١) الخطط المقريزية، ج ١/ ١٢٥.