الذى اشتهر باسم «الخطط التوفيقية»، وذلك بعد أن رأى قدم العهد، بخطط المقريزى، وتغير كثير من المعالم، بل واختفاء بعضها، لدرجة يصعب معها التحقق مما ورد فى هذا المؤلّف القديم، والتعرف على كثير من المعالم، فقرّ رأيه على ضرورة وضع كتاب آخر حديث، ولذا نراه يقول فى مقدمته:
«فلما كانت مدينة القاهرة المعزية التى هى دار الحكومة الخديوية قد كثر ذكرها فى كتب الخطط والتواريخ والسير، ووصف ما كان بها من المبانى والبساتين، وهى الآن غيرها فى تلك الأزمان، لتغييرها عما كانت عليه زمن الفاطميين الذين اختطوها بتغيير الدول، وتقلب الأزمنة، وكانت تارة يؤثر فيها الزيادة، فترى أحيانا زاهرة زاهية، وطورا واهنة واهية، ولم نر منا معشر أبنائها، من يهدينا إلى تلك التقلبات، ويفقهنا أسباب هاتيك الانتقالات، ويدلنا على ما فيها من الآثار، فنجوس خلالها ولا نعرف أحوالها، ونجوب أقطاعها ولا ندرى من وضعها، وقد خطها العلامة المقريزى لوقته، وأطال القول فيما فيها من المبانى والمزارع، وتكلم على الحوادث والرجال، ولكن بعده كم من أمور مرت فدمرت، وعبر جرت فغيرت، حتى ذهب أكثر ما أسهب فى شرحه كليا، وزال حتى صار نسيا منسيا، وكم من آثار خيرية صار نفعها مندثرا مهجورا ومصانع وصنائع قد دثرت كأن لم تكن شيئا مذكورا، وكم من تلال كانت عمارات شاهقة، ووهاد كانت بساتين معينة متأنقة، وقبور مزوية فى جوانب الحارات ومشاهد متباعدة فى الفلوات أطلق عليها العامة أسماء كاذبة، كقولهم مثلا: «هذا ضريح الأربعين».، وكم من مساجد نسبوها لغير من بناها، ومعابد أسندوها لمن لم يكن رآها، والحقيقة أنها قبور ملوك عظام، أو معابد سادات كرام، أو مساجد أمراء فخام، مع أن معرفة ذلك حق علينا، إذ لا يليق بنا جهل بلادنا، والتهاون بمعرفة آثار أسلافنا، التى هى عبرة للمعتبر، وذكرى للمدّكر، فهم وإن مضوا لسبيلهم، قد تركوا لنا ما يحثّنا على اقتفاء آثارهم، وأن نصنع لوقتنا ما صنعوه لوقتهم، وأن نجد فى طريق الإفادة كما جدّوا، دعتنى نفسى لتأليف كتاب واف للمصريين من قديم وحديث».
ذلك هو ما دفع على مبارك باشا إلى وضع كتابه «الخطط التوفيقية»، وقد قدّم له محرر المقدمة بقوله:
«صار يذكر فى كل مكان من أماكن القاهرة خطته القديمة واسمه وشهرته التى كانت فى ذلك الوقت مستديمة، ثم يعقبه بذكر ما تحولت إليه فى وقتنا هذا، وقبله حاله