ومن يتأمل فى تركيب أرض هذه المنطقة، يراها مالحة التربة وفيها كثير من المحار، وذلك يدل على أن هذه المنطقة غمرت بمياه البحر المالح أزمانا كثيرة. وأتت بعد ذلك حوادث طبيعية كالزلازل الشديدة مثلا فاضطربت منها الأرض، وحدث عن هذه الحوادث تحوّل البحر عن أرض/البرزخ، إمّا بخسف انحط به ماء البحر عن تلك الأرض، أو بنتوء أوجب ارتفاع أرض البرزخ وانحسار ماء البحر عنها، ويمكن أن جزء البرزخ الذى ارتفع، هو الجزء المجاور للمحل المعروف «بالشلوفة»، واتفق أن البحر بعد أن كان يدخل فى أرض البرزخ قريبا من خمسين ألف متر - يعنى إلى البرك المرة - انقطع اتصاله بها، ثم حصل من دوام تأثير الشمس على سطح هذه البرك تبخر ماؤها (١)، ومن نسف الأتربة بالأهوية فيها ردمت على ممر العصور والأزمان، وانقطع اتصالها ببركة التمساح، ثم جفت بركة التمساح كذلك، بالأسباب التى أوجبت جفاف البرك المرة.
ومما يدل على صحة ما قدمناه: ارتفاع طبقة الملح فى هذه البرك، وكثرة المحار البحرى المتراكم فى سواحلها، فإن لم يكن البحر مر بهذه البرك، وبقى عليها قرونا عديدة ومدة مديدة، فمن أين أتى هذا المحار الكثير؟ وبأى كيفية تكونت هذه الطبقة الملحية؟، وكما أن البحر الأحمر كان داخلا فى أرض البرزخ - كما قدمنا - كذلك البحر الرومى كان داخلا أيضا فيها قريبا من أربعين ألف متر، ويدل على ذلك آثار البرك الباقية إلى الآن، ويظهر أنه كان سابقا لا يفصل أحد البحرين عن الآخر إلا مسافة قدرها خمسون ألف متر، وهى أرض القرش المذكورة وما جاورها من جهة الشمال، مما يماثلها فى الارتفاع، وإلى وقتنا هذا لم يعلم السبب الذى أوجب تحوّل البحر الرومى عن أرض البرزخ، غير أنه علم أن النيل كان يتصل بالبحر الملح من فروع سبعة كما ذكرنا ذلك فى موضعه من هذا الكتاب.