للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وابتداء الحفر فى خليج البرزخ كان أوله من جهة البحر الرومى، فكانوا يحفرون إلى أن ينبع الماء، وكانوا فى أول الأمر يستعملون لنقل التراب زنابيل من الخوص، ثم وجدوها يستهلك منها الكثير فى الزمن اليسير فاستبدلوها بقوارب من الخشب، ولما كثر عدد العمال من المصريين وغيرهم رأوا أن نقل الماء اللازم لشربهم على ظهور الجمال عسر جدا، كثير المشقات والنفقات، فاستحسنوا أن تحفر الترعة الحلوة أولا، فابتدأوا حفرها من التل الكبير إلى قريب من بركة التمساح باثنى عشر ألف متر، وأدخلوا فيها ماء النيل من ترعة الوادى، فسهل أخذ الماء اللازم للشغالة منها بواسطة الجمال فى ١٧ أبريل سنة ١٨٦٠ بلغ عدد الشغالة عشرين ألف نفس من القطر المصرى خاصة، وكانوا موزعين فى طول الترعة من القرش إلى البحر الرومى، وكان الماء اللازم لهم تأتى به الجمال ويوضع فى حيضان من الصاج.

وكان العمل مستمرا ليلا ونهارا تحت ملاحظة مأمورين من الإفرنج من طرف الشركة، وإسماعيل بيك حمدى من طرف الحكومة، وهو الذى ترقى إلى رتبة باشا، وصار بعد ذلك محافظا للبرزخ. ولم تزل الهمة فى العمل مبذولة والعناية إليه مصروفة حتى وصلوا إلى بحيرة التمساح، وكانت العمال تحفر فى الأرض الجافة، والكراكات وراءهم تعمق الحفر فى الطين، والماء يجرى خلفها، حتى وصلت الترعة فى ١٥ نوفمبر سنة ١٨٦٠ إلى عمق عظيم، فجرت فيها المراكب، واتصلت ببحيرة التمساح، فدخلت فيها مياه البحر الرومى، وعمل لذلك مهرجان حضره المسيو دولسبس وجم غفير من القناصل وأمراء المصريين وغيرهم من سائر الملل، وفى وقت قطع الجسر الحاجز بين البحيرة والترعة، ودخول ماء الترعة فى البحيرة، قام المسيو دولسبس فى هذا المحل، وخطب خطبة وجيزة قال فيها: «بالنيابة عن المرحوم محمد سعيد باشا: آمر بدخول مياه البحر الرومى فى بحيرة التمساح».