من يحضر من العملة فى مبدأ الأمر قليلا، فلما اشتهر دخول المسألة فى ميدان السياسة بتوسط نابليون، وظهرت علامات الوفاق، أخذ عدد الشغالة الوافدين على البرزخ من جميع الملل يزاد ويكثر، وكان أكثرهم من الروم اليونانيين، وكانوا يقيمون فى المحطات الموزعة فى طول خط الترعة المالحة؛ كمحطة القنطرة على طريق الشام، ومحطة الفردان بعدها، ومحطة الجسر المعروف بالقرش، ومحطة التمساح محل الإسماعيلية الآن، ومحطة السيرابيوم، والشيخ خبيدق، والشلوفة، والسويس.
وجعلت الشركة فى المحطات الكبيرة من هذه المحطات مخازن كبيرة أودعتها جميع ما يحتاج إليه العمال من المآكل والملابس وغير ذلك، وسهلت طريق الوصول إليها، والحصول عليها.
وكان من أهم لوازم العمال وضروريات معيشتهم ما يلزمهم للشرب من الماء العذب فى تلك الصحارى المنقطعة عن العمران والمياه والغدران، فكانت الشركة تأتيهم بالماء إلى المواضع القريبة من المطرية والمنزلة، فى صهاريج من حديد، تنقلها السفن فتوصلها إلى تلك المواضع، زيادة على ما يستقطر لهم من ماء البحر الملح بواسطة الوابورات، أما المواضع الموجودة فى داخل البرزخ بعيدة عن المنزلة والمطرية، فكان ما يحتاج إليه العمال بها من الماء ينقل إليهم على ظهور الجمال، وكان الجمل الواحد يحمل ما يكفى لشرب عشرين شخصا من الشغالة فى اليوم، وهو مائة وخمسة وعشرون ليترا من الماء.
ومصاريف الجمل وجمّاله فى اليوم ثمانية فرنكات، فيخص الشخص الواحد فى اليوم ثمانية وستون نصفا فضة، وكان عدد الشغالة جسيما، واتسع نطاق العمل فى امتداد الترعة، والتزمت الشركة لجلب الماء الكافى لهم أن تستأجر عددا وافرا من الجمال لنقل الماء، وألجأها ذلك إلى أن رتبت لهذه المصلحة ملاحظين ومأمورين ورئيسا لنظام سيرها.