والإنس، تغدو وتروح فيها الوحوش الضارية المضرة بالإنسان، أصبحت طريقا لانتفاعه وزيادة رزقه وخيراته.
ولما وصلوا إلى السويس لم يقيموا به غير ليلة أيضا، وفى صبحها أنعم من طرف الملوك على رجال مصر، ومأمورى الحكومة بالنيشانات، ثم ركبوا قطارات السكة الحديدية إلى مصر، ونزل كل منهم فيما أعدّ له من المحلات، وقوبل من طرف الحضرة الخديوية بما يليق به من التحية والإكرام فى المدة التى أحب إقامتها فى مصر، ومن رغب منهم السياحة فى النيل والتفرج على بلاد القطر ونواحيه، سافر محفوفا بالإكرام الزائد، وما يلزم لمقامه من الخدمة والخدم، ولازمته تلك العناية إلى أن رجع وسافر إلى بلاده. وقد وجه الخديوى كل همته إلى إكرام قراليجة فرنسا أثناء سياحتها فى النيل إلى الشلال، فأصحبها بنجله صاحب الدولة البرنس «حسين كامل باشا»، وبأعظم رجاله سعادة رياض باشا، وعين لسفرها ستة عشر وابورا من وابورات البحر، اختص بعضها بركوب جلالتها ومعيتها، وبعضها بإحضار ما يلزم جلبه يوميا من القاهرة من المأكول والمشروب والفواكه وغير ذلك، مما تدعو إليه الحاجة، وكانت عناية الخديوى متوجهة لها فى كل لحظة بعد لحظة مدة الإثنين والعشرين يوما التى قضتها فى هذا السفر، إلى أن عادت مسرورة مشروحة الخاطر ممنونة مما لاقته من العناية والإكرام، ولم تزل تحفها هذه العناية حتى ركبت البحر، وسارت إلى بلادها. وقد طار ذكر هذا المهرجان حتى ملأ البقاع، وتحدث الناس فى ترتيبه ونظامه ومصرفه، لأنه فريد فى ذاته، لم يجر على مثال سابق عليه. والذى تعجب الناس منه غاية العجب هو استعداد «موسيو يوسف بنطلينى التليانى» المتعهد بمأكول جميع من حضر هذا المحفل، كل إنسان على حسب مقامه، فكان هو ورجاله يؤدون الخدمة بغاية النشاط والانتظام، مع مراعاة الواجب والأدب، وكان الناس يتعاقبون على السّفر الإفرنجية والعربية فوجا بعد فوج، وفى كل مرة تتغير أدوات السّفرة بغيرها، وتقدم ألوان الأطعمة