وكان مبدأ نشأته ﵀ فى القاهرة، وتربى فى التعلم بمدارسها الفاخرة، وصار ينتقل من مدرسة إلى مدرسة، حتى كانت خاتمة تعلمه بمدرسة الهندسة، فترقى بها إلى رتبة خوجة، فصار يعلم بها العلوم الرياضية من هندسة وجبر وفنون حسابية، ثم انتقل إلى المطبعة سنة ١٢٦٨ هجرية بوظيفة كاتب ومصحح تركى بالوقائع المصرية. وفى سنة ٧٨ صار مأمور تنظيم المطبعة، وفى سنة ١٢٧٩ حين أنعم بالمطبعة على عبد الرحمن باشا رشدى صار وكيلا له بأمر من سعيد باشا، ثم صار شريكا فى ربح المطبعة، وأنعم عليه من سعيد باشا برتبة قائم مقام.
وفى شهر أمشير سنة ١٨٦٤ ميلادية الموافقة لسنة ١٢٨١ هجرية حين انتقلت المطبعة إلى الدائرة السنية جعل عليها ناظرا، وأنعم عليه برتبة مير الاى.
وفى سنة ١٨٧٥ توجه مع حضرة خديو مصر الوزير الكبير إسماعيل باشا ابن إبراهيم ابن محمد على إلى فرنسا لمشاهدة معرض باريس، ثم تنقل فى بلادها وجهاتها، وفى كثير من جهات أوروبا كأوستريا وانكلتره للتفرج على معاملها ومحلات أشغالها رغبة فى إحضار ما يلزم للمطبعة من الآلات المحكمة والعدد المستحسنة، فاشترى جملا من آلاتها المتينة وعددها المكينة.
وفى سنة ٨٤ توجه إلى لندره ثانيا، فأحضر منها فابريقة الورق التى لم يوجد لها مثيل، وأحكم بناءها ببولاق على شاطئ النيل بجوار المطبعة، وأتقن آلاتها إتقانا زائدا، وتعب فى تحسين أوضاعها تحسينا تاما، وكذلك فى إدارتها العجيبة - هو وصهره وكيله فى المطبعة - محمد بك حسنى، حتى جاء منها ورق عجيب الشكل كاد يعطل على ورق أوربا، وكانت جميع مصاريفها وتكاليفها - من ثمن آلاتها وخلافها - من ربح المطبعة، وذلك باجتهاده ﵀ وحسن سعيه فى إحكام إدارتها وكثرة ثروتها رغبة فى عموم نفع الخلق من عمال وغيرهم:
وفى سنة ١٢٩٧ هجرية أنعم عليه برتبة «متمايز» من لدن الحضرة الفخيمة الخديوية التوفيقية أدام الله أيامها. وفى سنة ١٣٠٠ أنعم عليه أيضا برتبة باشا، فقابل أعتاب الحضرة الخديوية بالشكر الجزيل والثناء الجميل، ولم يزل ﵀ ساعيا فى عموم نفع الناس، ونشر العلوم مع إحسان الطبع وجودته على أتم ما ينبغى، وأبهج ما تشتهيه النفوس وتبتغى، وقد أحيا روح المطبعة الميرية، ونشر صيتها فى جميع الأقطار.
ودأب فى حسن المساعى الخيرية للخاص والعام آناء الليل وأطراف النهار، حتى دعاه داعى مولاه إلى حضرة رحمته ودار إحسانه فأجاب، وقوبلت روحه بالروح والريحان فى منازل الرضوان مع الأحباب ﵀ رحمة واسعة، وجمعنا يوم القيامة فى دار النعيم معه، آمين.