وقد رثاه العالم الفاضل، الأديب الكامل، الأستاذ الكبير، العالم الشهير، من كلامه يدل على كماله، الشيخ محمد الحسينى - رئيس المصححين بالمطبعة الكبرى الميرية ببولاق مصر - فقال:
«قد اشتاقت إلى حضرة القدس الرحمانى ودار النعيم الدائم الربانى النفس الطاهرة الزكية، والروح الفاخرة البهية، نفس الهمام الذى دونه كل همام، وروح الشهم الذى يعنو لهمته كل مقدام، المفضال الذى لا يقدر فى المكارم قدره، والكمال الذى فاق شمس غيره بدره، والنبراس الذى أنار غياهب المشكلات بآرائه، والصمصام الذى قدّ صميم المعضلات بمضائه، عظيم الهمة فى عيون الخلق، غزير الديمة، جليل المقدار فى قلوب الناس، ثمين القيمة، الذى يكبو فاره جواد اليراع فى ميدان مدائحه إن شرع يثنى، المرحوم حسين باشا حسينى - ناظر المطبعة الميرية ببولاق مصر المعزية - فأجاب داعى مولاه، وانتقل إلى دار رحمته ورضاه ليلة الجمعة الثالث عشر من جمادى الآخرة سنة ألف وثلثمائة وثلاث هجرية، وقابل مولاه الكريم.
وزفت روحه إلى جنات النعيم، وشيع الناس جنازته، وأقبلوا عليها من كل حدب ينسلون، وجاءوا إليها من شدة فزعهم يهرعون. وكان يوم وفاته يوما مشهودا، وحادث مصابه فى فوادح الشدائد معدودا، وساروا بجنازته فى مشهد عظيم جدا من أعظم المشاهد فى غاية الانتظام، وعليه من السكينة والوقار والهيبة ما يشهد به الخاص والعام، فلا ترى من الناس إلا باكيا من شدة الهيبة، وله بالرحمة داعيا، ولجنازته ومشهده العظيم مشيّعا وساعيا، حتى وصلوا به إلى مسجد سيدنا الإمام الحسين - رضى الله تعالى عنه - وصلّوا عليه فيه بجمع عظيم جدا عقب صلاة العصر، ووضعوا نعشه أمام مقصورة ابن (١) رسول الله ﷺ وأكثروا له من الدعاء بالرحمة حتى قوّت بذلك كل عين، ثم ساروا به إلى رمسه الطيب الكريم، وواروه فى جدثه العطر ليحظى بالروح والريحان ومشاهدة مولاه الرحمن الرحيم، فأقبل ﵀ على نعيمه، وترك لفراقه العيون غرقى فى سيول العبرات، والقلوب حرقى من وهيج الزفرات، حتى تفرّحت الأجفان، ونفهت النفوس، وهجمت العينان، وذابت المروءة كمدا على فراقه، ووجد نشر الكتب والعلوم على أفول بدر محياه ومحاقه، وصار كل لب لهول مصابه سامدا جامدا واجما، ولأليم فراقه نائيا عن مقرّه محجما، وقد بكى اليراع راثيا لمصابه، وراثيا لسوء حال أحبابه، فقال:
بكت عليه المعالى وهى لابسة … ثوب الحداد، وقد سارت نوادبه
ومزّقت أسفا أثواب زينتها … إذ لم تجد بعده خلاّ تصاحبه
ودارة الطبع قد حالت محاسنها … وانهدّ من ركنها السامى جوانبه