وإما أن يدخلوا فيها الغش قليلا أو كثيرا بأن ينقصوا الكمية أو العيار أو كليهما مع تقرير قيمتها الأولى. ولذلك كانوا كل قليل يجمعون النقود القديمة ويدخلونها دار الضرب ويضربونها ضربا جديدا بعيار أقل من عيارها الأول أو وزن كذلك، ومع حرصهم على ذلك وإلزامهم الناس بطريق الجبر وجهل الأهالى بحقيقه حالها، يحصل مع الزمن رجوع القيم إلى أصولها شيئا فشيئا، حتى يكون بين القيمة الجبرية والقيمة الحقيقية نسبة حقيقية يجرى التعامل بحسبها تحقيقا أو تقريبا فى قيم التجارات والسلع.
وتعلو قيمة سبائك الذهب والفضة ومسكوكات الذهب التى غشها قليل، فتضطر الحكام لتغيير قيمة نقود الذهب فيجمعونها ثانيا ويضربونها ضربا جديدا، ويقدرون لها سعرا جديدا فيمشى بين الناس قهرا، ويستمر زمنا ثم تتراجع القيم كما تقدم وهكذا.
وإنما لم ترجع الميايدة عن قيمتها اللفظية القهرية إلى قيمتها الحقيقية مع تطاول الزمن؛ لأن التقويم بها عمّ الأشياء كلها: الجليلة والحقيرة فى مصر والأقطار القريبة منها مع قلة المضروب منها وعزّته، فبقيت لها قيمة فرضية يتعامل بها بين الناس
وقد ذكر المقريزى التغييرات التى اعترت قيمة النقود فى السبعة قرون الأول من الهجرة، قال: «إن سعر الدينار فى سنة ثلاث وستين وثلثمائة هجرية، موافقة لسنة أربع وسبعين وتسعمائة ميلادية، يساوى خمسة عشر درهما ونصفا.
ولما كثرت الدراهم فى زمن الحاكم بأمر الله أبى على المنصور بن عبد العزيز كثرة زائدة، صار الدينار يبدل بأربعة وثلاثين درهما، وعلت أسعار الأشياء، وحصل للأهالى من ذلك ضرر شديد، فصار جمع الدراهم فى