للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفى سنة ٣٤١، كثر الفأر بأعمال مصر، أتلف الغلات والكروم، ثم قصر النيل، فنزع (١) السعر وارتفع.

وفى سنة ٣٤٣، عظم الغلاء حتى بيع كل ويبتين (٢) ونصف من القمح بدينار، ثم طلب فلم يوجد، وثارت الرعية وكسروا منبر الجامع بمصر، واستمر تسع سنين متتابعة، والأمير إذ ذاك على بن الأخشيد.

وسبب الغلاء أن زيادة النيل انتهت إلى خمسة عشر ذراعا وأربع أصابع، فتزع السعر بعد رخص، فما كان بدينار واحد صار بثلاثة دنانير، وعزّ الخبز فلم يوجد، وزاد الغلاء حتى بلغ كل ويبتين بدينار.

وفى سنة ٣٥٣، قصر مدّ النيل فلم يبلغ سوى خمسة عشر ذراعا [أربعة] (٣) أصابع، واضطرب فزاد مرة ونقص أخرى حتى صار فى النصف من بابه إلى قريب من ثلاثة عشر ذراعا، ثم زاد قليلا وانحط سريعا فعظم الغلاء وانتقصت الأعمال لكثرة الفتن، ونهبت الضياع والغلات، وماجت الناس فى مصر بسبب السعر، فدخلوا الجامع العتيق بالفسطاط فى يوم الجمعة، وازدحموا عند المحراب، فمات رجل وامرأة فى الزحام، ولم تصل الجمعة يومئذ.

وتمادي الغلاء إلى سنة أربع وخمسين، فكان مبلغ الزيادة فى النيل ستة عشر ذراعا وأصابع، وكذا فى سنة خمس وخمسين.

وفى سنة ٣٥٦، لم يبلغ النيل سوى اثنى عشر ذراعا وأصابع، ولم يقع مثل ذلك فى الملة الإسلامية، وكان على إمارة مصر حينئذ الأستاذ كافور، فعظم الأمر من شدة الغلاء، ثم مات كافور فكثر الاضطراب وتعددت الفتن،


(١) معنى هذا الفعل هنا الجرى بسرعة.
(٢) الويبة: مكيال للحبوب سعته سدس الأردب.
(٣) أضيفت ما بين الحاصرتين من إغاثة الأمة ص ١٢ - هامش ٥.