للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكانت حروب كثيرة بين الجند والأمراء، قتل فيها خلق كثيرون وانتهبت أسواق البلد وأحرقت مواضع عديدة، فاشتد خوف الناس وضاعت أموالهم، وتغيّرت نيّاتهم وارتفع السعر وتعذّر وجود الأقوات حتى بيع القمح كل ويبة بدينار.

واختلف العسكر فلحق الكثير منهم بالحسن بن عبيد الله بن طغج، وهو يومئذ بالرملة، وكاتب كثير منهم المعز لدين الله الفاطمى، وعظم الإرجاف بمسير القرامطة إلى مصر، وتواترت الأخبار بمجئ عساكر المعز من المغرب إلي أن دخلت سنة ثمان وخمسين وثلثمائة، ودخل القائد جوهر بعساكر الإمام المعز لدين الله، وبنى القاهرة المعزية؛ وكان مما نظر فيه أمر الأسعار فضرب جماعة من الطحانين وطيف بهم، وجمع سماسرة الغلات بمكان واحد، وحكم أن لاتباع الغلال إلا هناك فقط، ولم يجعل لمكان البيع غير طريق واحدة بمكان، لا يخرج قدح قمح إلا ويقف عليه سليمان بن غرة المحتسب.

واستمر الغلاء إلى سنة ستين، فاشتدّ فيها الوباء - وفشت الأمراض وكثر الموت حتى عجز الناس عن تكفين الأموات ودفنهم، فكان كل من مات يطرح فى النيل.

وفى سنة ٣٦١ انحل السعر وأخصبت الأرض وحصل الرخاء.

وفى سنة ٣٨٧ وقع الغلاء فى أيام الحاكم بأمر الله وكان سببه قصر النيل فلم يبلغ إلا ستة عشر ذراعا وأصابع، فتزع السعر وطلب القمح فلم يقدر عليه، واشتد الخوف، وأخذت الناس الطرق (١)، وعظم الأمر، وانتهى سعر الخبز إلى أربعة بدرهم، ودبّر ذلك الحسن بن عمار، ثم تمشّت الأحوال بانحطاط السعر بعد ذلك.

فلما كانت سنة خمس وتسعين وثلثمائة، توقف النيل أيضا حتى لم يكسر الخليج إلا فى آخر مسرى على خمسة عشر ذراعا وسبعة أصابع،


(١) هكذا فى الأصل وفي إغاثة الأمة للمقريزى: فأخذت النساء من الطرق ص ١٤.