بيك الأرنؤودى الساكن ببولاق، وأدركه وخلّصه من أيديهم، وأخذه إلى داره وحماه، وقابل به محمد على.
وذهب إلى داره واستقر بها إلى أن انقضت الفتنة، وظهر طاهر باشا فساس أمره معه حتى قتل، وحضر الأمراء المصريون فتداخل معهم وقدم لهم وهاداهم، واتحد بهم وبعثمان بيك البرديسى، فأبقوه على حالته ونجز مطلوبات الجميع، ولم يتضعضع للمزعجات، ولم يتقهقر من المفزعات، حتى إنهم لما أرادوا تقليد الستة عشر صنجقا فى يوم أحضره البرديسى تلك الليلة وأخبره بما اتفقوا عليه ووجده مشغول البال متحيرا فى لوازمهم فهون عليه الأمر وسهله، وقضى له جميع المطلوبات واللوازم للستة عشر أميرا فى تلك الليلة، وما أصبح النهار إلا وجميع المطلوبات من خيول ورخوت وفراوى وكساوى ومزركشات ذهب وفضة برسم الإنعامات وغيرها، فتعجب هو والحاضرون من ذلك، وقال له: مثلك من يخدم الملوك، وأعطاه فى ذلك اليوم فارسكور زيادة عما فى يده.
ولما ثارت العسكر على الأمراء المصريين وأخرجوهم من مصر، وأحضروا أحمد باشا خورشيد من إسكندرية وقلّده ولاية مصر، وكان مختصر الحال هيأ له المترجم رقم الوزارة والرخوت والخلع واللوازم فى أسرع وقت.
ولم يزل شأنه فى الترفع والصعود، وطالعه مقارنا للسعود حتى فاجأته المنية. وذلك أنه لما عاده الباشا فى يوم الثلاثاء سابع عشر شعبان سنة تسع عشرة ومائتين وألف نزل إلى داره، وتغدى عنده، وأقام نحو ساعتين، ثم ركب وطلع إلى القلعة، فأرسل فى إثره هدية جليلة صحبة السيد أحمد الملا ترجمانه، فلما كان ليلة الأحد الثانى والعشرين من شعبان المذكور جلس حصة من الليل مع أصحابه يحادثهم، ثم قال إنى أجد بردا، فدثروه ساعة، ثم أرادوا إيقاظه ليدخل إلى حريمه، فحركوه فوجدوة قد فارق الدنيا من ساعته، فكتموا أمره حتى ركب ولده السيد محمد إلى الباشا وأخبره، ثم رجع إلى داره، وحضر ديوان أفندى والقاضى، وختموا على خزائنه وحواصله، وكفنوه وصلوا عليه بالأزهر فى مشهد حافل، ثم رجعوا به إلى زاوية ابن العربى، ودفنوه بها مع السيد أحمد بن عبد السلام المتقدم الذكر.