وزوّج ابنة سيده لخازن داره على أغا، وعمل لهما مهما عظيما عدة أيام، وحضر إسماعيل بيك والأمراء والأعيان، وأرسلوا إليه الهدايا العظيمة، وكذلك جميع التجار والنصارى، والكتاب القبط، ومشايخ البلدان.
وبعد تمام أيام العرس ولياليه بالسماعات والآلات والملاعب والنقوط عملوا للعروس زفة بهيئة لم يسبق نظيرها، ومشى جميع أرباب الحرف وأرباب الصنائع مع كل طائفة عربة وفيها هيئة صناعتهم ومن يشتغل فيها مثل القهوجى بآلته وكانونه، والحلوانى والفطاطرى، والحباك والقزاز بنوله، حتى مبيض النحاس والحيطان والمعاجينى، وبياع البز، وأرباب الملاهى، والنساء المغنيات وغيرهم، كل طائفة فى عربة، وكان مجموعها نيفا وسبعين حرفة، وذلك خلاف الملاعب والبهلوانية والرقاصين والحنك، ثم الموكب، وبعده الأغوات والحريم والملازمون والسعاة والجاويشية، وبعد ذلك عربة العروس من صناعة الفرنج بديعة الشكل، وبعدها مماليك الخزنة واللابسو الزروخ، وبعدهم النوبة التركية والنقيرات، فجاءت زفة غريبة الوضع لم يتفق مثلها بعدها.
وبلغ المترجم فى هذه الأيام من العظمة ما لم يبلغه أحد من نظائره، فكان إذ توجهت همته إلى أى شئ أتمه على الوجه الذى يريده، ويقبل الرشوة، وإذا أحب إنسانا قضى له أشغاله كائنة ما كانت من غير شئ.
ثم لما مات مخدومه إسماعيل بيك، وتعين بعده فى الإمارة عثمان بيك طبل استوزره أيضا وسلمه قياده فى جميع أموره، ولم يزل على ذلك إلى أن مات فى غرة رمضان سنة خمس ومائتين وألف، وذلك بعد موت إسماعيل بيك بأربعة عشر يوما، وبموته ارتفع الطاعون، وقيل فى ذلك:
وإذا كان منتهى العمر موتا … فسواء طويله والقصير
(انتهى ملخصا).
وهذا آخر ما تيسر لنا من الكلام على وصف شارع باب الخرق قديما وحديثا.