عاصرهم، والمنشئات العامة، مثل المواصلات والرى والتلغراف والمدارس وغير ذلك.
فهى والحالة هذه، تساعد على إعطاء صورة عامة عن أحوال البلاد، كما تمكن فى الوقت نفسه من تتبع تاريخ موضوع بحثه.
وهكذا عمل على مبارك باشا على سد الفراغ الذى شعر به وأشار إليه فى مقدمة كتابه، وفى هذا يقول محمد عبد الله عنان فى كتابه «مصر الإسلامية وتاريخ الخطط المصرية»:
«ولم يشهد تاريخ الخطط منذ المقريزى جهودا فى الطرافة والإفاضة كمجهود على باشا مبارك، بل لقد جاءت «الخطط التوفيقية» من بعض الوجوه، أتم وأوفى من خطط المقريزى، وكانت مهمة مؤلفها فى كثير من الأحيان أدق وأصعب، من مهمة سلفه الكبير، فقد كان عليه أن يتتبع تاريخ الخطط فى ظلمات العصر التركى، وأن يحقق المعالم والمواقع والآثار القديمة على ضوء الأطلال الدارسة والمنشئات المحدثة التى تفصلها من الماضى قرون طويلة.
وقد توسع فى مهمة التعريف عن الخطط والتراجم توسعا عظيما، فتناول بعد القاهرة جميع المدن والقرى المصرية بإفاضة، وترجم لكثير من أعيانها فى مختلف العصور».
ومما لا شك فيه أن نشأة على باشا مبارك والمناصب التى تولاها كانت عاملا فى مساعدته على الوقوف على كثير من البيانات والمعلومات التى دونها فى كتابه هذا.
ومن المعروف أن على مبارك كان طموحا تواقا إلى تولى المناصب الهامة، ولم يكن راضيا على ما رسمه له أبوه من أن يكون فقيها، ولذلك نراه لا يقبل على نوع الدراسة التى اختارها له، بل يلتحق بالمدارس التى تخرّج طبقة الحكام ويكون له ما أراد، إذ يظهر تفوقا فى دراساته ونبوغا، ويلتحق بمدرسة قصر العينى سنة ١٨٣٦، ثم مدرسة المهندسخانة سنة ١٨٤٠، ويكافأ على تفوقه فيها بإرساله ضمن بعثة أنجال محمد على للدراسة فى فرنسا سنة ١٨٤٥، حيث درس الفنون العسكرية والهندسة الحربية.
ولما عاد إلى مصر إثر وفاة إبراهيم باشا سنة ١٨٤٨ التحق بخدمة الحكومة، وتقلب فى مناصب عدة، منها التدريس بالمدارس التحضيرية والعسكرية، وتنقل بين ميادين التعليم والأوقاف والأعمال الهندسية، وكلها أعمال ساعدته لا شك على الوقوف على الكثير من المعلومات والبيانات، ليس عن القاهرة فقط، بل وعن المدن الأخرى، فضلا عن إطلاعه على كثير من كتب الخطط والتراجم وغيرها من المراجع التى كانت بين يديه. ككتب العرب والفرنج الذين زاروا البلاد وساحوا خلالها، ووثائق المحفوظات الحكومية، ومحفوظات المساجد والآثار المختلفة، وغيرها مما لدى الأسر الكبيرة.