للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الحربية ولعبها فى البحر، فصار للأسطول فى أيامه شأن عظيم، كما كان فى أحسن أيام الدولة الفاطمية، وأيام الصالح نجم الدين، ثم تلاشى أمر الأسطول من بعده لقلة الالتفات إليه والعناية به.

واتخذ بيبرس الموضع الكائن خارج القاهرة من شرقيّها، وهو الذى به الآن قرافة المجاورين وقايتباى، ميدانا لرمى النشاب، وكان يقال له الميدان الأسود، والميدان الأخضر، وميدان العيد، وميدان السباق، وميدان القبق، وبنى به فى المحرم سنة ست وستين وستمائة مصطبة عند ما احتفل برمى النشاب وأمور الحرب، وحثّ الناس على لعب الرمح ورمى النشاب ونحو ذلك. وصار ينزل كل يوم إلى هذه المصطبة، فلا يركب منها إلى العشاء، وهو يرمى ويحرض الناس على الرمى والنضال والرهان. وقد أطال المقريزى فى ذكر ما كان يعمل فى هذا الميدان.

واستمر هذا الميدان فضاء إلى أن تولى السلطنة الملك الناصر محمد بن قلاوون، فترك النزول فيه، وبنيت فيه القبور شيئا بعد شئ، حتى انسدت طريقه، واتصلت المبانى من ميدان القبق إلى تربة الروضة خارج باب البرقية، وبطل السباق منه ورمى القبق فيه من آخر أيام الملك الناصر محمد بن قلاوون. وفى زمن المقريزى كان فيه بعض عمد الرخام قائمة تعرف بين الناس بعواميد السباق، بين كل عمودين مسافة بعيدة، وما برحت قائمة هناك إلى ما بعد سنة ثمانين وسبعمائة، فهدمت عند ما عمّر الأمير يونس الدوادار الظاهرى تربته تجاه قبة النصر، ثم عمّر أيضا الأمير قجماس ابن عم الملك الظاهر برقوق تربة هنالك، وتتابع الناس فى البنيان إلى أن صار كما هو الآن.

ولما انحسر ماء النيل عن ميدان الملك الصالح نجم الدين أيوب جعل الملك الظاهر ميدانه بطرف اللوق تجاه قنطرة قدادار، ومحله الآن الأرض المواجهة لقصر النيل من الشرق إلى شارع مصر العتيقة. وما زال يلعب فيه بالكرة إلى زمن الناصر محمد بن قلاوون، فجعل بستانا من أجل بعد البحر عنه، وأرسل إلى دمشق فحمل إليه من سائر أصناف الشجر، وأحضر معها خولة الشام والمطعّمين، فغرسوها فيه وطعّموها.

قال المقريزى: ومنه تعلم الناس بمصر تطعيم الأشجار. والحق أن تطعيم الأشجار كان معروفا بمصر من قبل ذلك بأزمان طويلة، فقد نقل المقريزى نفسه فى الكلام على خمارويه ابن أحمد بن طولون أنه أخذ الميدان الذى كان لأبيه، فجعله كله بستانا، وغرس فيه أنواع الأشجار والرياحين البديعة، وكان فيه ريحان مزروع على نقوش معمولة وكتابات مكتوبة يتعاهدها البستانى بالمقراض، حتى لا تزيد ورقة على ورقة، إلى أن قال: «وأهدى إليه