للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من خراسان وغيرها كل أصل عجيب، وطعّموا له شجر المشمش باللوز، وأشباه ذلك من كل ما يستظرف ويستحسن» (انتهى). فعلم من هذا أن التطعيم موجود بمصر من ذاك العهد، وربما كان من قبل ذلك.

وبنى الظاهر بيبرس أيضا القصر المعروف بالدار الجديدة، وكان يشرف على الرميلة.

وبنى بالقلعة دارا كبيرة لولده الملك السعيد، وأنشأ دورا كثيرة للأمراء بظاهر القاهرة مما يلى القلعة، واصطبلات، وأنشأ حماما بسوق الخيل لولده، وقد هدم، ومحله القره قول وبعض عمارة والدة الخديو إسماعيل باشا بجهة ميدان محمد على.

وجدد الجامع الأقمر، والجامع الأزهر، وزاوية الشيخ خضر، وعدة جوامع بالأعمال المصرية، وجسورا وقناطر كثيرة، منها قنطرة السباع عند السيدة زينب .

وبنى أيضا دار العدل تحت القلعة فى سنة إحدى وستين وستمائة، وصار يجلس بها لعرض العساكر يومى الإثنين والخميس. وما برحت دار العدل هذه باقية، إلى أن استجد السلطان الملك المنصور قلاوون الإيوان فهجرت دار العدل إلى أن كانت سنة اثنتين وعشرين وسبعمائة، فهدمها الملك الناصر محمد بن قلاوون، وعمل موضعها الطبلخانة - كان محلها فى شارع الدحديرة.

واتفق أن غلت الأسعار بمصر مدة فى أيام الملك الظاهر حتى بلغ الإردب القمح نحو مائة درهم، وعدم الخبز، فنادى السلطان فى الفقراء أن يجتمعوا تحت القلعة، ونزل فى يوم الخميس سابع ربيع الآخر منها، وجلس بدار العدل هذه، ونظر فى أمر السعر، وأبطل التسعيرة، وكتب مرسوما إلى الأمراء ببيع خمسمائة إردب فى كل يوم، وأن يكون البيع للضعفاء والأرامل فقط دون من عداهم. وأمر الحجاب، فنزلوا تحت القلعة وكتبوا أسماء الفقراء الذين تجمعوا بالرميلة، وبعث إلى كل جهة من جهات القاهرة ومصر وضواحيهما حاجبا ليكتب أسماء الفقراء، وقال: «والله لو كان عندى غلة تكفى هؤلاء لفرقتها».

ولما انتهى إحصاء الفقراء أخذ منهم لنفسه ألوفا، وجعل باسم ابنه الملك السعيد ألوفا، وأمر ديوان الجيش فوزع باقيهم، على كل أمير جملة من الفقراء بعدّة رجاله، ثم فرق ما بقى على الأجناد والمقدمين والبحرية، وقرر لكل واحد من الفقراء كفايته لمدة ثلاثة أشهر، وفرّق على الأكابر والتجار، وعيّن لأرباب الزوايا مائة إردب قمح فى كل يوم تخرج من الشّون السلطانية إلى جامع أحمد بن طولون لتفرّق على من هناك .. إلى آخر ما قال.

وفى سنة اثنتين وستين وستمائة أركب ابنه السعيد بركة خان بشعار السلطنة، ومشى قدّامه، وشقّ القاهرة، والكل مشاة بين يديه، من باب النصر إلى قلعة الجبل وزيّنت البلد.